الثورة – أيمن الحرفي:
اذا كانت العيون هي نافذة الروح، فالوجه هو الإطار لهذه النافذة.. فقد تقول تعابير وجهك والإيماءات عنك أكثر مما تعتقد، و حتى تعابير الوجه المحايدة تعكس ما بداخلك من مشاعر.
وجه الإنسان هو جزء معقد و متميز للغاية من جسمه، إنه أحد أكثر أنظمة الإشارات المتاحة تعقيداً لدينا فهو مزود بأربع و أربعين عضلة، وقليل نسبياً من الأعصاب والأوعية الدموية المارة عبر العظام و الغضاريف في طبقات يكسوها جلد مرن، ويستطيع بالتالي الالتواء وإبداء حوالي ٥٠٠٠ تعبير مختلف بين الصدق والزيف ترتسم على محيا الوجه، يعد الوجه أفصح ناطق بعواطف الإنسان و في الوقت نفسه يمكنه تفسير ما في نفسه، كذلك إخفاء ما في الداخل فهو يستطيع أن يكون صادقاً أو كاذباً، لهذا وصفه أحد العلماء بأنه صفحة رائعة تبين تناقضات الوجه، و هو وسيلة من الاتصال مجهز لإطلاق رسائل متضاربة.
يستطيع الإنسان و بسرعة كبيرة إرسال وقراءة الإشارات الوجهية فيمكن أن يرسم على جبين الإنسان ومضة تعبر عن التحية أو الدهشة أو البهجة أو البسمة. تعبيرات الوجه لغة عالمية موحدة و هي نتاج ضرورات بيولوجية، فسائر الناس وعلى اختلاف بلدانهم و لغاتهم مبرمجون لإبداء التعبيرات و قراءتها، فالتعبير عن العواطف شيء فطري و جيني و تطوري.
و تشهد تعابير الوجه حالياً مزيداً من الدراسات العلمية الهادفة إلى فهمها بشكل أعمق ولهذا الفهم أهميته الخاصة في العصر الرقمي.
فقد تم التمييز بين التعبير اللفظي الذي يستخدم الكلمات حسب الرغبة، و بين التعبير غير اللفظي الذي هو أكثر بدائية و اعصى عن التزييف على حد قول الفيلسوف جان جاك روسو، و لم يشذ عن هذا الإجماع إلا بعض الأعمال الفنية، فلوحة الموناليزا التي رسمها ليوناردو دافنتشي عام ١٥٠٣ م لا تزال حتى اليوم تثير تفسيرات متناقضة لتعابير وجهها.
يقول آلان فريد لند استاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا على الأهمية الوظيفية لتعابير الوجه: ( الوجوه علامات طرق لتوجيه السير، فوجوهنا توجه دفة تعاملنا مع الآخرين ).. أردنا أم لم نرد لقد جبلنا على المشاعر ووجوهنا مرآة لها، و الناس على اختلاف ثقافاتهم يتعرفون على التعابير بعينها و المشاعر التي تقابلها من خلال الوجوه كالفرح و الحزن و الدهشة و الاشمئزاز و الخوف و الغضب.
الثقافة و التنشئة و التجربة لكل فرد تحدد قدرة كل منهم على إظهار عواطفه أو قراءة وتفسير تعابير الآخرين وأقلهم حظاً في قراءة تعابير الآخرين أولئك الذين تعرضوا لسوء المعاملة في طفولتهم.
و لحل رموز التغييرات الوجهية وضع اثنان من علماء النفس قائمة بأشكال الحركات العضلية كالعبوس و الابتسام والغضب وأعطيت لكل حركة أو تعبير رقماً محدداً، “فالغمزة” حركة عضلية بالوجه وهي عضلة حول العين اما ” زم ” الأنف فتؤديه عضلتان و هما الرافعة الشفوية العليا و عضلة جناح الأنف، والابتسامة تعد أكثر السمات الوجهية قابلية للتمييز وأعقد من مجرد عضلة أو اثنتين و لها تسعة عشر شكلا، منها ابتسامة فرح اللقاء بين شخصين متحابين، فيما الابتسامة الخفيفة العابرة ربما تكون بين عميلين في مصرف أو متجر.
كما أن الابتسامة السطحية لا تصل إلى الدماغ خلافاً لابتسامة الفرح الحقيقي التي تمس القشرة الجبهوية اليسرى من الدماغ، فدماغ الوليد لا يشرق ابتسامة حب إلاٌ لمن يحبهم.
يقول شارلز داروين واضع علم النفس النمطي في كتابه ” التعبير عن العواطف عند الإنسان و الحيوان “: ( إن مقدرة الإنسان على إبداء شعوره و حاجاته ورغبته ضرورية لبقاء الكائن البشري ) وزعم داروين ان هذه المقدرة ذات أثر تطوري، فالوليد مثلاً يستطيع أن يحرك تكوينات وجهه لكي يوحي لأمه بأنه في كرب أو أنه جائع، و لقد صنف الباحثون تلك التكوينات إلى ستة تعابير أساسية عالمية مطبوعة في أدمغة البشر أينما كانوا، و هي تعبيرات يبديها جميع الناس وهي: الخوف و الغضب و الحزن و الاشمئزاز و الاندهاش و الفرح، و جميعها تعبيرات لو رآها أي إنسان و في أي مجتمع و ثقافة و في أي مكان من العالم لما وجد صعوبة في فهمها و ترجمتها.
فالناس جميعاً يبدون نفس التعبيرات إزاء هذه العواطف الأساسية، أما تعبير ” الحرج ” فكل إنسان يعبر عنه بطريقته الخاصة.
و يتأثر التعبير عن العواطف بالأوضاع الحضارية و الثقافية و المرضية العقلية، بدرجة حضارة الإنسان حيث تعلمه كيف يستطيع قمع ردود أفعاله العاطفية الغريزية، كذلك الاكتئاب يسد الطريق إلى الحوار و التواصل و يبقى تعبير “الخداع” أكثر حالات التعبير التي لا يستطيع فهمها أي إنسان، فابتسامة يمكن أن تخفي وراءها كثيراً من المكر والخداع.