هل يمكن تجزئة حقوق الإنسان؟، قد يحصل ذلك عندما تعجز دولة ما لأسباب قاهرة عن تلبية كامل مستوجبات هذا المصطلح فتعمل على تلبية الأولويات الأساسية المتمثلة بتأمين الحياة والغذاء والصحة.
تتفق جميع دول العالم على الأولويات في حقوق الإنسان والمتمثلة بالغذاء والصحة وتعمل منظمات الأمم المتحدة على تأمينها للشعوب والدول في ظروف الحروب والأوبئة والكوارث الطبيعية ومن المفترض أن تفضح وتدين أي دولة تعوق ذلك.
تخرق الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بشكل صارخ قواعد حقوق الإنسان والقوانين الناظمة لها في جميع أنحاء العالم عبر توظيفها لهذه المسألة لتحقيق أطماعها السياسية والاقتصادية.
ينعقد مجلس حقوق الإنسان بشكل دوري ويناقش باستفاضة حالات بعينها ولكن لم يسبق لهذا المجلس أن أدان أو أشار بشكل مباشر إلى الدول التي تضع العراقيل أمام دول أخرى لتأمين الحياة الكريمة والغذاء والصحة لشعبها.
يوم أمس 28/1/2022 ناقش مجلس حقوق الإنسان في جنيف بجلسة مخصصة “لاعتماد تقرير الفريق العامل المعني بالمراجعة الدورية الشاملة لسورية” واقع المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية للشعب السوري والعقبات والعراقيل دون أي خوض في الحديث عن الدول التي تعوق وصول الغذاء والدواء والمعونات الإنسانية إلى سورية رغم جائحة فيروس كورونا وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والتي تفرض إرهاباً اقتصادياً على الشعب السوري بهدف الضغط عليه والتأثير على قناعاته السياسية والوطنية.
تبرر المنظمات الدولية عدم تناولها تأثير الإجراءات القسرية الاقتصادية على الشعب السوري بالقول إن نفس هذه الدول هي من تقدم التبرعات لهذه المنظمات وهذا هروب من تحمل المسؤولية والالتزام بالقانون الدولي ويعد تغطية مباشرة على حقيقة أن هذه الدول هي من أسهمت بإيجاد هذه الأزمات الإنسانية عبر دعمها للإرهاب الدولي وتواصل إدارة هذه الحرب والأزمات الإنسانية على أمل تحقيق مصالحها وليس التزاماً منها بمسألة حقوق الإنسان.
من المعلوم أن المساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية للشعب السوري تشكل فقط من 15 الى 25 المئة مما تقدمه الدولة وجزء كبير من هذه النسبة لا يصل إلى الفئات المحتاجة وإنما إلى التنظيمات الإرهابية والمرتزقة الذين يدعمهم النظام التركي.
وكذلك الأمر وخلافاً لما تروج له الولايات المتحدة والدول الغربية بأن العقوبات التي فرضتها على سورية لا تمس الغذاء والدواء فإن هذه العقوبات تطول جميع جوانب الحياة في سورية وفي مقدمتها الغذاء والصحة.
إن العقوبات الغربية- الأميركية تركز بشكل أساس على التحويلات المالية وهنا بيت القصيد حيث يصعب على النظام المالي السوري استيراد الدواء والغذاء بالنظر إلى شموله في العقوبات وهو الأمر الذي يضيف تكاليف باهظة على عملية الاستيراد كان يمكن استخدامها في توفير المزيد من الاحتياجات للسوريين.
كما تشمل العقوبات استيراد المشتقات النفطية والغازية وبالتالي صعوبة توفير وقود التدفئة والنقل وغيره من المواد المرتبطة باستمرار حياة أي مواطن في العالم وعدم القدرة على تشغيل محطات توليد الطاقة وآثار ذلك على القطاعات الصحية وانتاج الغذاء والتعليم التي تعد من أساسيات حقوق الإنسان.
إن ما تم ذكره سابقاً هو جزء مما تشمله العقوبات الغربية الأميركية المفروضة على السوريين، وعلى مجلس حقوق الإنسان العمل على إدانة هذه العقوبات وإبراز تأثيرها الكبير على حياة السوريين والعمل على إزالتها بدلاً من اختيار الصمت لقاء الحصول على أموال من الدول التي دعمت الإرهاب في سورية وتحاول توظيف ملف حقوق الإنسان فيها لتحقيق ما عجزت أدواتها الإرهابية في إنجازه خلال السنوات الماضية.
إن تجاهل مجلس حقوق الإنسان وغيره من المنظمات الدولية ودول العالم الحرة آثار العقوبات الاقتصادية الجائرة على الشعب السوري وقيام الاحتلال الأميركي بسرقة وتهريب موارده الطبيعية من نفط وغاز وحرمانه من محاصيله الزراعية هو بمثابة المشاركة فيها وصولاً إلى تحقيق أجندة الدول المعادية لسورية بقصد أو غير قصد.
لقد بات واضحاً أن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تفتعل الحروب والأزمات الإنسانية في الدول التي ترفض الخضوع لإرادتها وتنفيذ سياساتها ومن ثم تدير هذه الأزمات عبر أدوات الأمم المتحدة في حال فشلت في تحقيق أهدافها عن طريق إثارة المشاكل لهذه الدول أو شن الحروب عليها ومن الواضح أن المنظمات الدولية العاملة في الشأن الإنساني تخضع للشروط الأميركية الغربية في عملها بهذه الظروف وهو ما حوّل المنظمة الدولية وأذرعها إلى أدوات سياسية وتنفيذية بيد الولايات المتحدة وبدا ذلك واضحاً وخطيراً خلال العقدين الماضيين.
إن الشعب السوري على مدى العقود الماضية كان سباقاً باعتراف الأمم المتحدة في تقديم المساعدات للشعوب الأخرى وحاجته اليوم إلى المساعدات كان بسبب العدوان الأميركي الغربي ومن واجب الأمم المتحدة وأجهزتها أن تطبق القانون الدولي أولاً وأن تقدم مساعداتها بما يضمن ذلك وليس إرضاء الدول المانحة التي تتحمل مسؤولية نشوء هذه الأزمات الإنسانية وتدمير الدول والسيطرة على مقدراتها الاقتصادية.
معاً على الطريق- أحمد ضوا