الثورة – فؤاد مسعد:
يبدو أن زمن الرومانسية والأعمال التي تحمل طابعاً إنسانياً شفافاً بات نجمه إلى أفول أمام محاولة تكريس موجة من الأعمال الدرامية التي تحمل خلطة من العنف الشديد والأكشن والإثارة طارحة انحيازاً خطراً نحو العنف بحجة محاولة إحداث التأثير الأقوى عند الجمهور لتحقيق نسبة عالية من المشاهدة ، فالعنف الذي كنا نتابعه في الأفلام الأجنبية (خاصة الأميركية) حيث يتحول المجرم فيها إلى بطل مهمته إنقاذ العالم بكل ما يحمل هذا الأمر من قيم ومفاهيم غريبة ما لبث أن انتقل بشكل أو بآخر إلى الأعمال الدرامية العربية بما فيها أعمال قدمها مبدعون سوريون وحصدت جماهيرية واسعة، وغالباً ما يكون متابعو هذه الأعمال ممن هم في أعمار شابة ما يحمل في باطنه خطراً متربصاً لا بد من الإشارة إليه.
مما لا شك فيه أن سعي أي مسلسل لشد المشاهد إليه بوسائله المختلفة أمر طبيعي ومشروع ولكن عندما يصل الأمر إلى حد مغالاة صنّاع العمل في هذا الشد فحينها تُقلب الموازين وتنعكس على ما يقدمونه من أفكار خاصة في حالة الإمعان بتقديم مفردات العنف وما يترتب عليها من أفعال، الأمر الذي من شأنه إثارة العديد من التساؤلات: فما السبب الكامن وراء تسيّد العنف على الشاشة عبر مجموعة من الأعمال الدرامية؟ ولماذا يتم السعي إلى تعميم هذه الموضة؟ ولماذا تلقى رواجاً عند شريحة واسعة من الجمهور؟ ما السبب الذي يدعو المنتجين إلى العزف على هذا الوتر في أعمالهم؟ هل الهدف تحقيق الربح السريع ونسبة عالية من المشاهدة؟ هل هي مجرد موضة لن تلبث أن تتراجع وتندثر أم تُرى (أول الرقص حنجلة)؟ ما تأثير تكريس ثقافة العنف على المجتمع؟ وكيف يمكن معالجة موضوع انجذاب الجيل الشاب إلى هذه الأعمال؟.
موضة درامية:
يؤكد المخرج فهد ميري أن العنف الأخلاقي والنفسي الذي يظهر في الدراما اليوم ليس من أصالتنا كما أنه ليس من صلب تربيتنا، مشيراً إلى مفارقة الموضات الدرامية فقد انتقلنا من موضة (أمرك ابن عمي) في مسلسلات البيئة الشامية إلى موضة أخرى تحمل الكثير من العنف، وحول سبب انجذاب المشاهد إلى هذه الأعمال، يقول: (المشاهد يحب العنف لأن الإنسان مبني على العنف، ومن خلال ما نقدم من أعمال إما أن نطور هذا الاتجاه أو نشذبه، ويبدو أنهم وجدوا الأسهل تطويره وتنميته وتغذيته فهو مادة دسمة للأكشن والإثارة، والمشاهد يفضل العمل الذي فيه عنف وأذى وتنمر، في حين أنه لا يُفضل المسلسل الذي يقدم علاقات إنسانية تغذي الروح، كما أن توجه الشباب والأطفال بات نحو ما يُعرض من ألعاب على “الموبايل” فيها عنف وبالتالي تتم تنشئتهم بهذا الاتجاه) وضمن هذا الإطار يتساءل المخرج فهد ميري عن دور المؤسسات الثقافية فغياب دورها الفاعل ترك الساحة مشرّعة أمام الخيارات الأخرى، في حين أن المنتج الخاص من حقه على الصعيد المادي اللجوء إلى ما يجذب الجمهور ولكن في الوقت نفسه ليس من حقه الاتجاه نحو تكريس هذه النوعية من الأعمال من الناحية الأخلاقية والمجتمعية، مؤكداً أن هدف إنجاز هذه الأعمال إنتاجي بحت، وحول سؤال عن دور المنتج السوري، يقول: مع بداية التسويق الدرامي بدأ دوره يظهر ولكن مع انطلاقة القرن الحادي والعشرين اختفى هذا الدور وبات همه عدد المحطات التي استطاع أن يبيع لها وليس ما قدم.
حالة عولمة:
ما السبب وراء تسيّد العنف عبر العديد من الأعمال الدرامية؟.. يجيب الكاتب أسامة كوكش قائلاً: (يعود ذلك إلى التأثر بسينما الغرب وهوليود بشكل خاص، فنشر ثقافة العنف هي حالة من العولمة لها غايات بعيدة المدى، بعضها يمكن إدراكه وبعضها لا يزال من المُبكر القول إننا مدركون لها، منها على سبيل المثال تعويد الإنسان عن استسهال مشاهدة منظر الدم، فما نراه في هذه الأفلام يُسهل علينا مشاهدة ومتابعة ما هو حقيقي عندما نتابعه عبر نشرات الأخبار، ويبدو أننا بتنا متأثرين وناقلين فإن رأينا عمل أكشن حقق جماهيرية نقوم بإنجاز ما يشبهه)، وحول مدى تأثر الجمهور وخاصة الجيل الشاب بأعمال تقدم العنف في أشد حالاته إن كان جسدياً أو لفظياً يشير إلى أننا اليوم فقدنا حالة الدراما الإنسانية والعاطفية لصالح هذا النوع من الأعمال، مؤكداً أن الأعمال العنيفة التي نستقبلها ونعيد تدويرها ونصدرها موجهة إلى شريحة الشباب التي غالباً ما تكون غير قادرة على عملية محاكمة الصالح من الطالح، ويوضح أن هذا الكلام لا يقلل من مكانة جيل الشباب فهو جيل الأمل بالنسبة إلينا ولكنه بحاجة إلى قليل من الوعي أمام هذه الحالة من الأفلام لأنه دخل فيها إلى درجة بتَّ تراها في الشارع، فلأبسط الأسباب أصبحت ترى عراكاً وشتائماً متبادلة.
التوجه للغريزة:
(أي عمل يلعب على غريزة المشاهد يحقق نسبة عالية من المشاهدات) هذا ما يؤكده الفنان فاتح سلمان الذي يرى أن العنف موجود في غريزة الإنسان لذلك فهو يتأثر به ويتابعه عندما يراه عبر عمل درامي على الشاشة، يقول: (يعود لعب المنتج على غريزة الجمهور إلى ذكائه وذكاء المخرج، ولكنني أقف ضد اللعب على غريزة الجمهور).