“استراتيجيك كالتشر”: بعد الحرب الأوكرانية.. عالم متعدد الأقطاب

 

الثورة – ترجمة ختام أحمد:
يعتبر الصراع العسكري الدائر في أوكرانيا حدثاً ذا أهمية تاريخية كبيرة تفصل بين زمنين، فهو يمثل انفصالاً عن الماضي وبداية لواقع جيوسياسي جديد، واقع يسعى إلى تقدم في العلاقات الدولية نحو تنمية اقتصادية أكبر وأكثر عدالة وأكثر سلاماً.
فالصراع العسكري في أوكرانيا لا يتعلق بنزاع ضيق بين أوكرانيا وروسيا بل هو مواجهة عالمية كبرى تجمع بين النظام الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة من ناحية، ودول مثل روسيا والصين، ودول أخرى ترفض السياسة الأمريكية من ناحية أخرى.
في البداية قامت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والحلفاء الأوروبيون بشن حرب مختلطة شاملة على روسيا في محاولة لتدمير اقتصادها باعتبارها المنافس الأكبر للسيطرة الأمريكية، كما أتت الادعاءات الغربية حول “الدفاع عن الديمقراطية والسيادة والقانون الدولي” كاذبة مزعومة ومضللة.
فالولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون يستخدمون الصراع لسحق وهزيمة روسيا بالرغم من محاولات روسيا الجاهدة تجنبه من خلال توجيه عدة نداءات لمعاهدات أمنية مع الناتو، و لايتعلق الأمر فقط بهزيمة روسيا بل بسحق أي دولة تتحدى النظام الغربي، و يتضمن ذلك حتماً مواجهة مع الصين وآخرين يسعون لتحدي “إجماع واشنطن”.
جاء التدخل الروسي في أوكرانيا في 24 شباط – بناءً على مبدأ الدفاع عن النفس – لكن هذا العداء ليس فقط تجاه روسيا، ويهدف إلى مواجهة ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب خارج عن سيطرة الهيمنة التي تقودها الولايات المتحدة، وتستند هذه الهيمنة على سيطرة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي وكذلك على القوة العسكرية الأمريكية الغاشمة، بمساعدة حلفائها في الناتو.
وقد جاءت مخاوف روسيا من أوكرانيا بسبب التهديد المتزايد الذي يشكله هذا البلد الغربي المجاور من مشاركته الغادرة مع الناتو والهجمات غير المقبولة التي كان نظام كييف يشنها على السكان الناطقين بالروسية في منطقة دونباس على مدار السنوات الثماني الماضية تقريباً، ولكن من خلال الدفاع عن تلك المخاوف الوطنية، فإن التدخل العسكري في أوكرانيا قد تحدى أيضاً النظام الغربي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة بالكامل.
نبَّه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على هذه التطورات الجيوسياسية وقال لوسائل إعلام روسية هذا الأسبوع: “تهدف عمليتنا العسكرية الخاصة إلى وضع حد للتوسعات غير المحدودة والمسار غير المقيد نحو الهيمنة الكاملة للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى التابعة لها على الساحة الدولية”، وبداية حقبة جديدة.
وأضاف: إن ازدواجية القوى الغربية ونفاقها غير محتمل، و الغطرسة أحادية القطب تدمر النظام الدولي.
وعلق لافروف بسخرية: “رأت الولايات المتحدة أن تهديداً لأمنها القومي على بعد آلاف الكيلومترات في العراق، لكن عندما قصفوها ودمروها واحتلوها لم يجدوا أي تهديد هناك، لم يعتذروا حتى، وعندما ينمو النازيون الجدد والمتطرفون على حدودنا ويتم إنشاء عشرات المختبرات البيولوجية تحت إشراف البنتاغون، وتنفيذ بعض التجارب التي تهدف أولاً وقبل كل شيء إلى تطوير أسلحة بيولوجية – الوثائق المكتشفة لا تترك مجالًا للشك – إذن لا يُسمح لنا بالرد على هذا التهديد وهو مباشرة على حدودنا، وليست خارج محيطنا”.
إن ما يحصل في أوكرانيا والعالم الآن هو الإشارة إلى أن الهيمنة المفترضة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين قد انتهت.
هذا يعني احتضاناً كاملاً لعالم متعدد الأقطاب، كما بشر بالتكامل الاقتصادي الأوروبي الآسيوي والشراكة الاستراتيجية مع الصين والهند وغيرهما، سوف يتم توجيه الموارد الطبيعية الهائلة لروسيا، وخاصة في مجال الطاقة، نحو التنمية الأوروبية الآسيوية.
إن الاقتصادات الغربية هي التي تحتاج إلى روسيا أكثر مما تحتاجها، كما أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الأسبوع.
سيستغرق الانتقال إلى نظام عالمي جديد وقتاُ ليس بالطويل، فعلى سبيل المثال سوف يستغرق بناء البنية التحتية اللازمة لخطوط أنابيب الغاز والنفط بعض الوقت، لكن المسار العام قابل للتطبيق و يسير بالفعل على قدم وساق.
أيضاً سيكون نظام مالي عالمي جديد يحل محل النظام القائم على الدولار الأمريكي، ويتم تطوير النظام الجديد من قبل روسيا والصين وغيرهما بهدف صريح وهو الاستقلال عن هيمنة إمبريالية الديون والعملة الأمريكية والغربية.
في النهاية يكفي أن نقول إن النظام القديم الذي تقوده الولايات المتحدة يجب أن يرحل لأنه لم يعد قابلاً للاستمرار فيما يتعلق بحياة البشر.
المصدر:
٠ Strategic Culture

آخر الأخبار
مجزرة الغوطة.. جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم  حين اختنق العالم بالصمت.. جريمة "الغوطة الكيماوية" جرح غائر في الذاكرة السورية كيف نحدد بوصلة الأولويات..؟ التعليم حق مشروع لا يؤجل ولا يؤطر الصفدي: نجدد وقوفنا المطلق مع سوريا ونحذر من العدوانية الإسرائيلية خبير مصرفي لـ"الثورة": العملات الرقمية أمر واقع وتحتاج لأطر تنظيمية مجزرة الغوطتين.. جريمة بلا مساءلة وذاكرة لا تموت العقارات من الجمود إلى الشلل.. خبراء لـ"الثورة": واقع السوق بعيد عن أي تصوّر منطقي في الذكرى الـ 12 لمجزرة الكيماوي.. العدالة الانتقالية لا تتحقق إلا بمحاسبة المجرمين نظافة الأحياء في دمشق.. تفاوت صارخ بين الشعبية والمنظمة اقتصاد الظل.. أنشطة متنوعة بعيدة عن الرقابة ممر إنساني أم مشروع سياسي..؟ وزارة الأوقاف تبحث في إدلب استثمار الوقف في التعليم والتنمية تقرير أممي: داعش يستغل الانقسامات والفراغ الأمني في سوريا لإعادة تنظيم صفوفه تفقد واقع الخدمات المقدمة في معبر جديدة يابوس هل تصنع نُخباً تعليمية أم ترهق الطلاب؟..  مدارس المتفوقين تفتح أبوابها للعام الدراسي القادم عندما تستخدم "الممرات الإنسانية" لتمرير المشاريع الانفصالية ؟! محاذير استخدام الممرات الإنسانية في الحالة السورية المساعدات الإنسانية. بين سيادة الدولة ومخاطرالمسارات الموازية الاستثمار في الشباب.. بين الواقع والطموح د.عمر ديبان: حجر الأساس لإعادة بناء سوريا القوية  "حساب السوق لا ينطبق على الصندوق" تحديد أسعار المطاعم وتكثيف الرقابة الحل الأنجع