كأن كل ما يرتبط بما يُطلق عليه (بعد ما بعد الحداثة)، له علاقه بالحدود أو بانهيار تلك الحدود..
كما في الزمن الحالي من انهيار أي حد أو فاصل بين الإنسان والآلة ببُعدها التقني.
كل ما تقرؤه عن “الإنسانية العبورية” يذكرها بما قاله (من أننا عبيد لهذا الزمن).. ليس لدينا أي وقت حرّ نمضيه كما نشتهي.. وربما لا نستطيع أن نكون كما نشتهي أو نرغب..
استنكرتْ هذه القناعة.. كما كرهتْ ونفرتْ من تلك التنظيرات وغيرها من فلسفات “ما بعد إنسانية” أو “لاإنسانية”.. تنظيرات تمثل تسميتها حرفياً، في حين أنها تتذرع بخدمة الإنسان والعمل لارتقائه وتطوره.
كلّما رأته غارقاً أكثر بعمله ولعمله لدرجة يلغي فيها وجود أي آخر، حسبته أحد البشر العبوريين، والذين هم (بشر انتقاليون يسيرون على طريق “التعالي”، أناس يرون أنهم يؤدون بأجسادهم دور التجسير في العملية التطورية… هؤلاء البشر يستعدّون بنشاط ليصبحوا ما بعد بشر)..
الملاحظة الأجمل ضمن مفهوم “البشر العبورين” أن ما بعد البشر يمكن أن يكونوا اصطناعيين أو آليين..
يبدو أن الارتقاء ليس بريئاً أبداً من جعل سالكيه أنصاف آلات..
واللافت تلك القشرة الخارجية البرّاقة التي يكتسون بها ويموّهون من خلالها حقيقة “التعالي” على غيرهم.
يختلط عليها الأمر..
لكن سرعان ما ستجد حداً فاصلاً بين عالم التقنيات أو التقانات وبين عالم الإبداعات الأدبية.
ثمة فارق بين الخلق التقني وذاك الإبداعي..
الأول لا يمانع من تدجين البشر بينما الثاني يسعى إلى السمو بهم..
بهذا المعنى رغبت دائماً أن ترى انتماءه الأكثر من مفرط إلى إبداعه..
ربما كان إفراطه بالانتماء إلى كتاباته سبباً بظنها أنه يؤمن بهذا النوع من الفلسفات “الما بعد إنسانية”.
تستغرب كيف يمكن للشيء أن ينقلب إلى نقيضه بسرعة لافتة.. حينها تكون الحدود جداً واهية وربما لاغية..
وفي الوقت الذي تحدّث في “بيتر سلوتردايك” عن الحظيرة البشرية وعن تدجين البشر للبشر عبر نوع خاص من التقانات.. تساءلت إن كان يمكن جعل الإبداع الإنساني وسيلة للتدجين كقوة ناعمة لربما أُلحقت يوماً بتلك الحظيرة..؟!
رؤية ثقافية- لميس علي