الثورة – رنا بدري سلوم:
” لا.. إنها دراما تعكسُ معاناتنا، دراما تتجاوز الخطوط الحمر” آراء سمعتها عن مسلسلات عدّة، متفاوتة المستوى مختلفة المضمون، هي في الظاهر رسائل تعرض حقيقة الفوضى والأمراض النفسية والاجتماعية والأخلاقية التي تفشت بذريعة الحرب، منذ الاحتلالين العثماني والفرنسي حتى يومنا هذا، ولكن في المقابل كانت الدراما السوريّة بعيدة عن الموضوعية ومنحازة إلى الدراما “السوداء” ومارست علينا سلّطتها الصفّراء إن أجدت الوصف.. على الأقل لم تعطنا حلولاً لتلك المعاناة أو تطرح أفكاراً تخاطب عقل المشاهد ومنطقه، بل تعيش معه في دوامة الحرب ورماديّة البؤس، ثم تقول له في مشاهِدها ” تجرّع هذه حبوب مسكّنة.. تجرّعها وستنسى آلامك وأوجاعك” وسأستحضر روح الراحل محمد الماغوط “وكاسك يا وطن”. وبالعودة إلى الحبوب المسكّنة، ألم نسأل أنفسنا أننا إلى اليوم نحارب ظاهرة تفشي المخدّرات، ولا تزال سوريّة بلد “عبور” رغم الحرب والحصار والفقر ومحاولات الغرب والشرق في زعزعة الأمن والثقة، لماذا نظهر في درامانا هذا العام أننا مدمنو مخدرات.!
أيعقل أننا كلنا نتعاطى..! نعم كلنا نتعاطى.. هذه المادة الدراميّة على موائد رمضان المبارك، الدراما التي لم تترك البيئة الشاميّة على بساطتها، حتى لم تترك ياسمينها محافظاً على عذريّته! فهل كانت الدراما السورية للموسم الرمضانيّ تشبهنا حقاً، مرآة لنا وانعكاس لمجتمعنا؟ أقول لمجتمعنا ككل؟ وليس لشريحة منه، الشريحة التي تناولها كتّاب الدراما بشكل كبير، وسلّطوا عين عدستهم عليها، حتى بتنا كمشاهدين لا نرى إلا الجزء المريض من هذا المجتمع ” الرشوة والفساد، سرقة الآثار، والمخدرات، والخيانة والقدح والذم والاتجار بالأعضاء والدعارة والانتحار والشذوذ”، وأتساءل، لماذا ونحن كصحفيين ولدينا سلطتنا “الرابعة” لا نزال نحترم خصوصيّة مجتمعنا ونمعن النظر في الحروف التي نكتبها، في حين لم تحترم الدراما هذا العام هذه الخصوصية فسمّت الأشياء بمسمياتها خدشت بها الحياء وكسرت بها الخواطر وخيّبت الآمال ومارست سلطتها ” الصفراء” علينا من دون رقيب أو حسيب بهدف إثارة الرأي العام لزيادة عدد المبيعات وإشاعة الفضائح مستخدمة المبالغة والتهويل والانحياز.
سيظهر أحد ما ليقول “إن وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح الرقميّ قد فعلت فعلها في بثّ الحقيقة والإباحيّة وتجاوز الخطوط الحمر”.. يا سادة..”الدراما السورية” منتج ٌ محليّ الصنع، وقد يكون وثيقة لا يستهان بها على مرّ السنين، ولن أسقط عن بعض الأعمال الدرامية” الصفراء” التي تعرض على شاشاتنا الصفة الوطنيّة، رغم أنها خانت في بعض الأمكنة وبشكل أو بآخر هذه الصفة وطعنتها في الصميم، في وقت لم تظهر حقيقة الأمر والواقع المعاش، فلا يزال هناك جندي يقاوم ودماء تراق على ثرى وطننا ولا يزال فضل هذا الجندي ديناً في رقابنا جميعاً، فلا تشوّهوا صورتنا، فهذا ما تبقى لنا في هذا البلد الأمين، بقينا فيه بفقره ومرضه لأننا ننتمي له ولن نخونه فلا تجعلونا نخونه وننجرُّ إلى رسائلكم المبطّنة، لتهجيرنا منه وإرغامنا على كراهيته، بذريعة فقدان الأمل في هذا البلد المُتعب والمُتعبين في عشّقه.. وإن كنا كبار العقول ونعي أن ما يُعرض مجرّد عمل درامي يمثل رؤية مؤلفه ومخرجه، فإن هناك أطفالاً ومراهقين يؤمنون ويقتبسون أقوالكم وعروضكم المقدّمة فرفقاً بهم وبنا.