الثورة – تحقيق – جاك وهبه :
يشكو غالبية أصحاب السيارات من ارتفاع أجور الصيانة والتفاوت الكبير وغير المنطقي في الأسعار الذي تشهده ورش الصيانة، وسط غياب غير مُبرر من قبل الجهات المعنية المسؤولة عن مراقبة الأسعار، وحماية حقوق المستهلك، فلم نسمع يوماً ما عن وجود تسعيرة محددة من قبل تلك الجهات لأسعار خدمات هذه الورش، ليبقى المواطن أسير مزاجية أصحاب محال إصلاح السيارات من ناحية فرض الأجور التي يريدون.
*مزاجية المصلح..
“تفاوت الأسعار بين ورش صيانة السيارات، يجعل المواطن في حيرة من أمره، فهل يذهب إلى من يطلب سعراً أعلى أم لمن يطلب أجراً أقل، في ظل غياب معيار الجودة ..؟ ” هكذا يقول “رامي” أحد زبائن ورش الصيانة الذين التقتهم “الثورة”، مضيفاً أنه لا يوجد أي نوع من أنواع الرقابة على تكلفة إصلاح السيارات بجميع أنواعها، ويتم تحديد التكلفة من خلال الحالة المزاجية للمصلح، مشيراً أنه قبل بدء الحرب العدوانية على سورية أي ما قبل عام 2011 كان المواطن يحصل على قرض مصرفي بهدف شراء سيارته الخاصة، أما اليوم فأصبح بحاجة لقرض خاص لإصلاح أي عطل يطرأ عليها.
*الزبون ضحية..
وبين “أحمد” بعد تجربته في إصلاح سيارته الجديدة، أن أصغر عطل فيها يرتب عليه دفع مئات الآلاف من الليرات بدل عملية الإصلاح، وأن أصحاب هذه المهنة يتصيدون الزبائن لاسيما إذا كانت السيارة قد تعطلت في مكان بعيد عن الورشة، حيث لا يوجد تسعيرة واضحة ومحددة لقاء هذه الخدمات”.
*تفاوت كبير..
ولم تكن مشكلة ارتفاع الأسعار هي الوحيدة عند “أسامة” إنما التفاوت الكبير في تقاضي الأجور بين ورشة وأخرى، فعند ذهابه إلى إحداها لتغيير “مضخة بنزين” لسيارته نوع “مازدا” طلب منه لقاء خدمة الإصلاح دفع مبلغ ٢٥ ألف ليرة دون أن تشمل سعر القطعة المراد تبديلها، وبعد تنقله بين عدة ورش، حظي بسعر ١٥ ألف ليرة سورية لقاء الخدمة ذاتها، أي بفارق ١٠ آلاف ليرة.
*أعطال غير موجودة..
وفي جولة لنا في مدينة “حوش بلاس” الصناعية على بعد ١٠ كم من مركز مدينة دمشق، والتي يكثر فيها عدد محال صيانة السيارات، رفض معظم شاغلي هذه المحال تحديد أجرة إصلاح أي عطل قبل إحضار السيارة والكشف عليها، وبرر الميكانيكي “خالد” ان ارتفاع الأجور سببه ارتفاع تكاليف المعيشة والغلاء الذي ضرب جميع القطاعات، منوهاً ان تحديد أجرة إصلاح السيارة يعود لأمانة صاحب الحرفة وذمته، فمن الممكن أن يضيف الميكانيكي أعطالاً غير موجودة أساسا لزيادة أجرته.
أساليب مبتكرة
وأضاف الميكانيكي “زياد” أن الغش موجود في كل المهن التجارية، ومن الصعوبة اكتشافه في ورش الميكانيك، نظراً لأن القطع غير مكشوفة والكثير من الناس لا يدقق عند تسلم سيارته، كما أن القطع التجارية من الدقة في التقليد بحيث لا يمكن تمييزها عن الأصلي، وهناك بعض الورش التي تبتكر أساليب تضمن لها تحقيق مردودٍ مادي عالٍ وفي الوقت نفسه تبقيها في مأمن من العقوبة.
*حماية المستهلك :تسعير المواد فقط..
إذا ما هي أسعار خدمة صيانة السيارات؟ ومن الجهة المسؤولة عن تحديدها؟ والآلية المتبعة لذلك؟ أسئلة توجهنا بها إلى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على اعتبارها الجهة المعنية بالدرجة الأولى بمراقبة الأسواق وتحديد أسعار السلع والخدمات، ليتبين لنا ان مديرية الأسعار في الوزارة تقوم بتسعير المواد المستوردة للقطاع العام والخاص بعد دراسة تكاليفها والوثائق المؤيدة لها، بحسب ما قاله مدير الأسعار “تمام العقدة”.
‘*لجنة لبدل أداء الخدمات..
أما بالنسبة لبدل إصلاحات السيارات والمعدات وغيرها يضيف العقدة فهي تخضع إلى تحديد بدل خدمة مكانية من قبل المكاتب التنفيذية لمجلس المحافظة وذلك استنادا إلى قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم رقم ١٠٧ لعام ٢٠٠٤ والمرسوم التشريعي رقم ٨ لعام ٢٠٢١، بحيث تجتمع لجنة تحديد بدل أداء الخدمات برئاسة عضو المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة المختص وحضور ممثل عن مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك / دوائر الأسعار / والفعاليات صاحبة العلاقة ويجري تحديد بدل أداء خدمة تركيب وصيانة الأجهزة والمعدات على أن تعلن هذه الأجور بمكان واضح وصريح وتخضع للرقابة التموينية، أما فيما يتعلق بأسعار قطع الغيار فهي تخضع في تداولها إلى أحكام القرار ١٢٠١ لعام ٢٠٢١ المتضمن نسب وهوامش أرباحها.
*نظام الفوترة..
وكشف مدير الأسعار أنه وبهدف ضبط الأسواق المحلية ومراقبة أسعار المواد بمختلف أنواعها وكذلك مراقبة أسعار بدل الخدمة تعمل وزارة التجارة الداخلية مع وزارة المالية عبر هيئة الضرائب والرسوم على إصدار نظام الفوترة الذي سيكون له أثر إيجابي عند تطبيقه من ناحية مراقبة الأسعار وضبطها ومتابعة حلقات الوساطة التجارية.
*المحافظة تتنصل..
وبناء على كلام العقدة توجهنا إلى محافظة دمشق علّنا نلتقي برئيس اللجنة المذكورة ونحصل منه على إجابة مناسبة عن استفساراتنا، ليطلب منا مخاطبته عن طريق المكتب الصحفي في المحافظة، وبالفعل قمنا بدورنا بتوجيه طلب خطي يتضمن الحصول على الموافقة لإجراء لقاء مع من ترشحه المحافظة للحديث عن الآلية التي يتم من خلالها تحديد أجور بدل خدمات صيانة المركبات والأجور المحددة حاليا، وبعد عدة أيام قمنا بمراجعة المحافظة ليتبين أن الطلب تم توجيهه بعد الموافقة عليه من قبل محافظ دمشق لعضو المكتب التنفيذي المختص “شادي سكرية” للبيان، ليقوم الأخير برمي الكرة بملعب جمعية الحرفيين لتتولى بدورها عملية الرد على استفساراتنا.
*نوع المركبة هو الحكم..
حيث بين أمين سر الجمعية الحرفية لصيانة السيارات بدمشق “محمد سالم زرقاوي” أن سعر خدمة إصلاح السيارات لا يمكن تحديده عبر تسعيرة ثابتة على الدوام، حيث ان كل عطل يصيب المركبة يحتاج جهداً ووقتاً يختلف بحسب نوع المركبة، مستشهداً بذلك ان فك ممتص صدمات “أتمصور” سيارة نوع “سابا” لا يحتاج من الوقت والجهد ما يحتاجه فك “أتمصور” سيارة نوع “مرسيدس”، كما أن تبديل شمعات الاحتراق “البواجي” لسيارة “كيا ريو” يعتبر أمرا بسيطا جداً حيث لا يتطلب من الميكانيكي سوى فك برغيين لسقف الغطاء العلوي للبواجي ومن ثم فك البواجي وتبديلها، أما بالنسبة لسيارة نوع “سنتافيه” ٦ سلندر فالبواجي الأمامية يتم فكها بسهولة، على عكس البواجي الداخلية التي يتطلب الوصول إليها فك “ثلاجة المكينة” بشكل كامل وفصلها عن السيارة وما يشمله ذلك من فك دعسة البنزين وخراطيم المياه، مما يزيد من الوقت والجهد المستهلك لإجراء عملية التبديل ويرفع من أجرة الصيانة.
*بعضها يسعّر..
ولم يُخفِ الزرقاوي أن هناك بعض الأعطال التي من الممكن تحديد أجور إصلاحها عبر تسعيرة ثابتة كتبديل فحمات الفرامل “الكوليات” حيث أن 70 % من السيارات متشابهة في ذلك، ما عدا الحديث منها والتي تحتوي على فرامل كهربائية.
*أعباء مالية..
وبرر أمين “سر الجمعية: ان ارتفاع أجور إصلاح السيارات سببه ارتفاع إيجارات مراكز الصيانة وما يترتب عليها من أعباء مالية كالضرائب وغيرها من فواتير مياه وكهرباء من جهة، وارتفاع أجور العمال المساعدين بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار أدوات الصيانة من جهة ثانية.
*إيهام الزبون..
بدورها جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها تطرقت لموضوع ارتفاع أجور إصلاح السيارات وناقشته منذ أكثر من عام، بحسب ما أكده أمين سرها “عبد الرزاق حبزة”، حيث تبين بعد زيارة عدد من مراكز الصيانة أن هناك ارتفاعاً كبيراً في أجور الإصلاح، مرجحة ذلك لقلة الخبرات الفنية التي سافر معظمها للخارج واستغلال الورش الموجودة لندرة الأيادي الفنية والخبيرة، مع جهل المواطن بموضوع الإصلاح، حيث تقوم بعض الورش بتغيير قطع قد لا تكون بحاجة إلى صيانة، أو إيهام الزبون بإصلاح أعطال كبيرة للحصول على أجور مرتفعة، علما أن العملية قد تكون بسيطة ولا تحتاج لدفع مثل هذه الأجور، في ظل غياب الجهة الرقابية الفنية من قبل الجهات الوصائية.
*عدم الإعلان عن الأسعار..
وأضاف “حبزة” أن المسألة لا تتوقف على ارتفاع الأجور فقط إنما هناك تفاوت كبير بأسعار قطع التبديل بين مركز وآخر، وعدم وجود فواتير نظامية، ناهيك عن عمليات الغش في قطع الغيار حيث يباع المقلد منها على أنه أصلي، إضافة إلى عدم الإعلان الصريح والواضح عن أسعار السلع والخدمات المقدمة للمواطنين في معظم المحال التي تمت زيارتها.
*خبرات لتحديد الأجور..
وكشف أمين السر أن الجمعية قامت بمراسلة عدة جهات حكومية لمتابعة هذا الموضوع ومعالجته، منوهاً لضرورة وجود خبرات فنية تشارك مديريات التموين بجولاتها على محال ومراكز صيانة السيارات، لتقييم العمل وتحديد قيمة الإصلاحات والأجور التي يتم أغلبها بشكل عشوائي بسبب جهل المواطنين بنوعية الإصلاحات التي يقوم بها صاحب المهنة.
*اخيرا”..ماذا بعد ..؟
من الواضح :وإلى حدٍّ بعيد” أن حالة الفلتان وعدم الضبط في هذا المجال، والخداع والضحك على اللحى هي الحالة السائدة، والكلمة لها لا لغيرها .
إن التكاليف التي بات يدفعها المواطنون على إصلاح سياراتهم لم تعد معقولة على الاطلاق، بعشرات ومئات الآلاف .. وتخترق الملايين أحياناً .. ومن الواضح أن هناك تلاعباً يسابق ارتفاع أسعار القطع التبديلية، الأمر الذي يقتضي إيقاف هذه المهزلة ووضع الأمور في نصابها الصحيح.