زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى طهران، والقضايا المهمة التي تناولتها المباحثات مع السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية في إيران، والرئيس إبراهيم رئيسي، جاءت في السياق الطبيعي لارتقاء العلاقات التاريخية بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، فهذه العلاقات الراسخة أسست لتحالف استراتيجي أثبت حضوره ودوره الفاعل على مجرى الأحداث الإقليمية والدولية، وهذا التحالف يزداد رسوخاً اليوم نظراً لحجم التحديات المشتركة التي تواجه البلدين، ولاسيما أنهما يقفان في خندق واحد ضد الإرهاب الذي تغذيه الولايات المتحدة لخدمة مشاريعها الاحتلالية في المنطقة.
أهمية الزيارة أنها جاءت في ظل تعقيدات المشهد الدولي، وانزلاقه نحو منحنى خطير يهدد الأمن والسلم العالميين، بفعل السياسة الأميركية الهدامة الساعية للهيمنة والتفرد، إذ تسعى إدارة بايدن لتسخين حدة التوتر على الساحة الدولية، لفرض أجنداتها الاستعمارية في سياق مشروعها الفوضوي والتدميري المعد لسورية ودول المنطقة برمتها، وسورية وإيران في مقدمة الدول التي تتصدى لتلك السياسة التدميرية، ومن هنا فإن التأكيد الإيراني على استمرار دعم سورية لاستكمال نصرها على الإرهاب وتحرير باقي الأراضي السورية، هو رسالة واضحة لكل المراهنين على إمكانية اهتزاز العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، بأن مسار التعاون والتنسيق المستمر بين دمشق وطهران لتحرير جميع الأراضي السورية من الإرهاب لا يمكن أن يتوقف أبداً، ولاسيما أنّ مجريات الأحداث أثبتت مجدداً صوابية الرؤى والنهج الذي سارت عليه سورية وإيران منذ سنوات، وخصوصاً في مواجهة الإرهاب، وهذا ما أكد عليه الرئيس الأسد.
المنطقة تمر اليوم بمرحلة حساسة ودقيقة، تمليها حالة التصعيد الأميركي والغربي والصهيوني، الناتجة عن فشل المشاريع الصهيو- أميركية بفعل صمود وصلابة محور المقاومة، ودحر أميركا ومشاريعها الاحتلالية ليس بالأمر المستحيل، إذ تؤكد المؤشرات الميدانية، والمعطيات السياسية، أن انسحاب الولايات المتحدة من كلّ المنطقة بات أمراً محتوماً، وهذا يفرضه واقع الفشل المتراكم الذي وصلت إليه السياسة الأميركية، وصانعو القرار الأميركي على علم ودراية بتداعيات هذا الفشل على مكانة وهيبة بلادهم، ولا شك في أن الاستمرار في التعاون بين سورية وإيران، إلى جانب كل الدول الحليفة والصديقة، سيعجل من الانسحاب الأميركي، ويمنع واشنطن من إعادة بناء منظومتها الإرهابية لاستهداف دول المنطقة من جديد.
كل الحروب والأزمات التي أشعلتها الولايات المتحدة في المنطقة، بتأييد ودعم أوروبي معلن وواضح، هي من أجل حماية الكيان الصهيوني، باعتباره يشكل قاعدة إرهاب متقدمة للغرب، وبوابة عبور له لتحقيق أجنداته ومصالحه الاستعمارية على حساب شعوب المنطقة، والحرب الإرهابية المتواصلة على سورية بأشكالها وعناوينها المتعددة، إضافة لسياسة الحصار والضغوط القصوى بحق الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تكشف خبايا وغايات السياسة العدوانية التي ينتهجها هذا الغرب، ولاسيما أن سورية وإيران لم تغيران يوماً موقفهما الثابت تجاه القضية الفلسطينية، ولم تتوقفا عن مواصلة دعم الشعب الفلسطيني في حقه المشروع لاستعادة أرضه وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
زيارة الرئيس الأسد أضافت لبنة جديدة في العلاقات السورية الإيرانية، بما يخدم مصلحة الشعبين الصديقين والشقيقين، ومن الطبيعي جداً أن تثير هذه الزيارة القلق لدى أعداء البلدين، لأن من شأن تعاظم قوتهما أن يقوض كل المشاريع الاستعمارية الهدامة التي يسعى الغرب بقيادة الولايات المتحدة من ورائها للهيمنة على المنطقة، ومصادرة قرار شعوبها.