الثورة _ فؤاد مسعد:
استطاعت الدراما التلفزيونية السورية خلال المواسم الدرامية الأخيرة تحقيق قفزة محدودة إلى حد ما انتقلت عبره من موقع محاولة السعي إلى الاستمرار وعدم التوقف ، وهو حالها الذي كانت عليه خلال السنوات الأخيرة وخاصة خلال فترة الحرب التي شنت على سورية والحصار الجائر ، لتغدو اليوم في موقع آخر اكثر تقدماً لتشكل في مجمل ما قدمت (بعجره وبجره) حالة أقرب ما تكون لإرهاصات تدل على عودة يُفترض أن تظهر معالم قوتها وجودتها خلال المرحلة القادمة لتأخذ مكانها الطبيعي . فبعد أن عاشت التحدي واستمرت وصورت أعمالها في الأماكن المختلفة وسط الظروف الصعبة والقاسية ، يبدو أن هناك بوادر إيجابية وعلامات تدل على محاولة للنهوض بدأت تظهر في ملامحها من خلال الإنتاجات التي قُدمت مؤخراً ، ولكن هذا لا يعني أنها أتت في أحسن حال وما قدم ضمن إطارها كان الأفضل ، فالأمر لا يصب في هذا المنحى لأن الدراما السورية اليوم تعاني العديد من المشكلات التي لا بد من تداركها لتعود وتنطلق من جديد مكرسة مفاهيم وآليات عمل ومرسخة لعادات وتقاليد إنتاجية هي بأشد الحاجة إليها لتغدو صناعة حقيقية وسط فوضى إنتاجية لابد من تنظيمها ، لتبدو أقوى وأبقى وتستطيع الوقوف في وجه المصاعب.
بعد أن أرخت العروض أوزارها في موسم درامي حفل بالإنتاجات متفاوتة المستوى يحق لنا استذكار مسلسلات مرت في تاريخ الدراما السورية شكّلت فيصلاً لا يمكن المرور عنه دون الإشارة إليها ، ليشكل استحضارها صرخة وجع تقول أننا في أشد الحاجة إلى إنجاز مثل تلك الأعمال التي تلامس عمق الوجدان بعيداً عن البهارات والتوابل التي تشبّعت منها الأعمال الدرامية اليوم ، وخاصة تلك التي يتم إنتاجها لتعرض على المنصات ومواقع الأنترنيت ، ومن تلك الأعمال التي باتت تشكل مفصلاً هاماً وكلما أعيد عرضها حققت نسبة من المُشاهدة ، نذكر على سبيل المثال لا الحصر مسلسل (نهاية رجل شجاع) إخراج نجدة أنزور ، مسلسل (التغريبة الفلسطينية) ومسلسل (الفصول الأربعة) بجزأيه من إخراج حاتم علي ، مسلسل (الانتظار) إخراج الليث حجو والذي أخرج الأجزاء الأولى من (بقعة ضوء) بكل ما حملت من ألق ، مسلسل (عائد إلى حيفا) إخراج باسل الخطيب، إضافة إلى العديد من الأعمال التاريخية المتميزة التي شكلت علامة فارقة ونقطة انعطاف في مسيرة الدراما السورية والكثير منها حمل أفكاراً وإسقاطات هامة ، ولكنها غابت عن خارطة الإنتاج السوري لأسباب في أغلبها إنتاجية .
عادة ما ينتصر الناس في خياراتهم إلى المسلسل الذي يحكي عنهم ويخاطب عقولهم ووجدانهم ويتناول همومهم ومشكلاتهم بالعمق طارحاً قضايا حارة تمسهم في الصميم وتعكس واقع حالهم ويحاكي عن هواجسهم ويلامس شغاف قلوبهم ، ويضم شخصيات من لحم ودم تشبههم وتشبه حياتهم ، ولكن عادة ما يتمسك المنتجون بصم آذانهم عن صوت الجمهور ، متمترسين وراء متطلبات شركات الإعلان والمحطات وما يمكن أن يحقق لهم نسبة عالية من المُشاهدة بسبب كم التشويق والإثارة وإن جاء ذلك أحياناً على حساب أمور أخرى بما فيها المصداقية والواقعية.
مما لا شك فيه أن الحرب التي شنت على سورية أفرزت مجموعة من التداعيات الاجتماعية التي لا بد من التعاطي معها ضمن الأعمال الدرامية بروح مسؤولة من خلال أعمال نابعة من الحياة وعمق الواقع ، إضافة إلى إلقاء الضوء على التحولات التي طرأت على المجتمع ، فكلها أمور ينبغي أن تكون في واجهة ما يتم إنتاجه في القادم من الأيام ، وأن تُقدم وفق رؤية معاصرة تتلاءم مع آليات المُشاهدة اليوم ومتطلباتها.