فوق أزمة النقل المتفاقمة في مختلف المحافظات والمناطق، ولاسيما في الأرياف التي تبدو وكأنها ليست على بالِ أحدٍ أصلاً، فإن هذه الأزمة تزداد اليوم تفاقماً وخطورة، لأنها في هذه الأثناء تلعب دوراً ربما يؤثر على مستقبل الكثير من الشباب ومصائرهم.
فمع انطلاق العملية الامتحانية لشهادتي التعليم الأساسي، والثانوية العامة، فإن مخاطر الوصول إلى المراكز الامتحانية ستكون مُهيمنة على نحو نصف مليون طالب وطالبة، حيث أعلنت وزارة التربية أنّ أكثر من ٥٠٠ ألف تلميذ وطالب يتوجهون لأداء امتحانات الشهادات العامة يومي الأحد والاثنين، إذ توجه اليوم الأحد ٢٩ أيار /٣٢٤٢٤٤/ تلميذاً لأداء امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والإعدادية الشرعية.
كما يتوجه يوم الاثنين ٣٠ أيار /٢٥١١٦٩/ طالباً لأداء امتحانات الشهادة الثانوية بفروعها كافة والثانوية الشرعية.
الكثير من هؤلاء التلاميذ والطلبة سيكونون بحاجة لاستخدام وسائط النقل كي يتمكنوا من الوصول إلى مراكز امتحاناتهم المحدّدة، وفي الحقيقة فإن الوضع المتردّي والمُهمل لهذه الوسائط لا يسرّ الخاطر ولا يُطمئن على الاطلاق، سواء كان بالتنقل ضمن المدن، أم من القرى والأرياف إلى المدن، وهنا الطامة الكبرى في ظل هذه الأزمة، وهذا النقص الكبير بوسائط النقل، الأمر الذي قد يحرم طلاباً كثيرين من امتحاناتهم لعدم قدرتهم على الوصول في الوقت المناسب.
لا يمكن لأزمة النقل والمواصلات أن تُحل بمجرد إطلاق الوعود الفارغة بحلها، أو بإطلاق العنان لإجراءات لا مكان لها على الأرض، والأزمة هي هي بل وتزداد صعوبة كما هو الحال في هذا الظرف الامتحانية.
لا ندري من المعني بحل مشكلة النقل في البلاد، إنها مشكلة ذات مرجعيّة مشتتة، فعلى الرغم من أن للنقل وزارة بحالها عندنا، وهي من الوزارات الهامة والنشيطة، ولكنها ليست معنية بإيجاد حل لهذه المشكلة، والمعني جهات متعدّدة الأطراف أوكلت لها هذه المسألة على هامش الأمور على ما يبدو، فلا هم يكترثون كما يجب، ولا نجد أن هناك من يتابع هذا الأمر ويحرص على تجاوزه، فشركات النقل الداخلي لم تعد تابعة لوزارة النقل حيث سُلِخت عنها وباتت تابعة لمجالس المدن، وهذه المجالس تكون منشغلة غالباً بقضاياها الأخرى، كما دخلت بعض شركات القطاع الخاص على هذا الخط، ومهما بلغ التنسيق عند هذه الشركات مع المجالس المحلية تبقى لها مرجعيتها الخاصة، وبعض المحافظات تحاول الدخول على هذا الخط بشكل خجول فما كانت إلا متعثرة في هذه المحاولات، كمحاولة محافظة دمشق – مثلاً – أن تطلق خدمة ( تكسي السرفيس ) التي تعدنا بها منذ سنوات، ولم تعد تعرف كيف تحزم أمرها وتفعل، كما بات لنا أشهر وسنوات ونحن على وعدك ياكمّون باستيراد 700 باص تكاد أن تهترئ من الحديث عنها قبل أن تصل .. ولم تصل بعد .. !
لعلّ هذا التشتت هو المساهم الأكبر في تعقيد هذه المشكلة، ولعل تحديد مرجعية واحدة بإحداث جهة محددة يُناط بها التصدي لهذه الأزمة بكل أبعادها وحلها عبر تجميع الجهود لدى القطاعين العام والخاص، وقيامها باستيراد ما يمكن استيراده، وتنظيم الخطوط، والتنسيق مع القطاع الخاص، وتشجيعه على الاستثمار في النقل، يوصلنا إلى حل هذه المعضلة التي – رغم بساطة حلها – تزداد تعقيداً وتراكماً حتى باتت حالة مزمنة بعيدة الحل والمنال، والحل ممكن وبسيط إن كنا نريده .. ونعتقد أننا نريد.