الثورة:
تمرُّ هذه الأيام ذكرى رحيل الشاعر والناقد العربي خليل حاوي، الشاعر الحداثي الذي استطاع أن يكون واحداُ من أعمدة التأسيس للجديد في الإبداع العربي، واستطاع أن يستلهم الأسطورة والتراث ليعيد تكوين المشهد، وبعث الحياة العربية، لكن على ما يبدو طفح كيل الخيبات حتى وصل الذروة.. خيبات من الأمة والحياة، وكان العدوان الصهيوني على لبنان عام 1982 الشرارة التي جعلته يكتب قصيدة الناهية منتحراً احتجاجاً على الصمت العربي على ما كان يجري، في محطات حياته.
ولد في عام 1919 في الشوير في لبنان، وتوفي عام 1982. عمل بنَّاءً وانتسب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، وعضو مجلس بلدية الشوير. تعلم اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والفيزياء والكيمياء والرياضيات، وأتم تعليمه الثانوي والتحق بكلية الشويفات الوطنية.
نشر أولى أعماله الشعرية في مجلة (العروة الوثقى) التي كان أحد القائمين على 6 دواوين شعرية، وغنى له من المطربين المعروفين مارسيل خليفة.
عمد إلى إنهاء حياته عقب الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في عام 1982، وقد سبق الحادثة 6 محاولات انتحار فشلت وأدخل على إثرها المستشفى أكثر من مرة.
درس في المدارس المحلية حتى سن الثانية عشر حين مرض والده، فاضطر إلى احتراف مهنة البناء ورصف الطرق، وخلال فترة عمله عاملاً للبناء والرصف كان كثير القراءة والكتابة ونَظَم الشعر الموزون والحرّ بالفصحى والعامية.
علَّم حاوي نفسه اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية حتى تمكن من دخول المدرسة ثم الجامعة الأمريكية في بيروت التي تخرج منها بتفوق مكنه من الحصول على منحة للالتحاق بجامعة كامبردج البريطانية، فنال شهادة الدكتوراه وعاد بعدها إلى لبنان ليعمل أستاذاً في الجامعة التي تخرج فيها واستمر في هذا العمل حتى وفاته.
منذ بداياته بدا شعر خليل حاوي وكأنه قد (أدخل رعشة جديدة على الشعر)العربي، كما قال فيكتور هيغو عن شعر بودلير، فقد ابتعد حاوي عن ارتياد الموضوعات الوصفية، والمعاني والصور المستهلكة في شعره، واستضاء دربه الشعري بثقافته الفلسفية والأدبية والنقدية، وجعل النفس والكون والطبيعة والحياة موضوعَ شعره.
كانت الرموز قوام شعره، وهي رموز حسية ونفسية وأسطورية وثقافية. كما عرف شعره الرموز المشهدية التي ضمت في قلبها رموزاُ متعددة ومتوالدة.
مع دخول قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى بيروت في يونيو عام 1982، لم يتحمل الشاعر خليل حاوي ما رآه فأطلق النار على رأسه في منزله في شارع الحمراء في بيروت وفارق الحياة.
نُشرت سيرته الذاتية تحت عنوان: رسائل الحب والحياة في عام 1987.
ومن أشهر قصائده، قصيدة الجسر، أو الشرق الجديد يقول فيها:
وكفاني أَنَّ لي أطفالَ أترابي
ولي في حُبِّهم خمرٌ وزادْ
مِن حصادِ الحَقلِ عندي ما كفاني
وكفاني أنَّ لي عيدَ الحصادْ
أنَّ لي عيداً وعيدْ
كُلَّما ضَوَّأَ في القَريةِ مصباحٌ جديدْ
غَيرَ أَنِّي ما حملتُ الحب للموتى
طيوباً، ذهباً، خمراً، كنوزْ
طفلُهُم يُولدُ خفَّاشًا عجوزْ
أينَ مَنْ يُفني ويُحيي ويُعيدْ
يتولَّى خَلْقَه طفلاً جديدْ
غَسْلَهُ بالزيتِ والكبريت
مِن نَتنِ الصديدْ
أينَ مَن يُفْني ويُحيي ويُعيد
يَتَولّى خَلْقَ فرخ النسرِ
مِن نَسلِ العَبيدْ
أنكَرَ الطفلُ أباهُ، أُمَّهُ
ليسَ فيه منهُما شبْهٌ بَعيدْ
ما لَهُ يَنْشَقُّ فينا البَيْتُ بَيْتَينِ
وَيَجري البَحرُ ما بَيْنَ جديدٍ وعتيقْ
صرخةٌ، تقطيعُ أرحامٍ،
وتَمزيقُ عُروقْ،
كَيفَ نَبقي تحتَ سَقفٍ واحدٍ
وبحارٌ بيننا.. سورٌ..
وصَحراءُ رمادٍ باردِ
وجليدْ.
ومتى نطفرُ مِن قبوٍ وسجْنِ
ومتى، ربَّاهُ، نشتدُّ ونبني
بِيَدينا بَيتنا الحُرَّ الجَديدْ
يَعبرونَ الجِسرَ في الصبحِ خفافاً
أَضلُعي امتَدَّتْ لَهُم جِسْراً وطيدْ
مِن كُهوفِ الشرقِ، مِن مُستنْقعِ الشَرقِ
إِلى الشَّرقِ الجديدْ
أَضْلُعي امْتَدَّتْ لَهُم جِسراً وطيدْ
“سوفَ يَمضونَ وتَبْقى”
“صَنَماً خلَّفَهُ الكهَّانُ للريحِ”
“التي تُوسِعُهُ جَلْداً وَحرْقاً”
“فارغَ الكَفَّيْنِ، مصلوباً، وحيدْ”
“في ليالى الثَّلْجِ والأفقُ رمادٌ”
“ورمادُ النارِ، والخبز رمادْ”
“جامِدَ الدَّمْعَةِ في لَيْلِ السهادْ”
“ويوافيكَ مع الصبحِ البريدْ:”
“.. صَفحَةُ الأخبارِ.. كم تجترّ ما فيها”
“تُفَلِّيها.. تُعيدْ..!”
“سوفَ يَمضونَ وتبقى”
“فارغَ الكَفَّيْن، مصلوباً، وحيدْ”.
اِخرسي يا بُومةً تقرعُ صدري
بومةُ التاريخِ مِنِّي ما تُريدْ?
في صَناديقي كُنوزٌ لا تَبيدْ:
فرحي في كُلِّ ما أَطعَمتُ
مِن جَوهرِ عُمْري،
فَرَحُ الأيدي التي أعْطَتْ وإِيمانٌ وذِكرى،
إنَّ لي جَمْراً وخَمْراً
إِنَّ لي أطفالَ أترابي
ولي في حُبِّهم خَمْرٌ وزادْ
مِن حصادِ الحَقْلِ عندي ما كفاني
وكفاني أنَّ لي عيدَ الحصادْ،
يا مَعادَ الثلجِ لَن أخْشاكَ
لي خَمْرٌ وجَمْرٌ للمَعادْ
من أعماله الشعرية
نهر الرماد عام 1957..
الناي والريح عام 1961..
بيادر الجوع عام 1965..
ديوان خليل حاوي عام 1972..
الرعد الجريح عام 1979..
من جحيم الكوميديا عام 1979..