الثورة – حسين صقر:
يقال: إن العلم بحر، ولم يترك حالة أو ظاهرة إلا وطرق بابها وسبر أغوارها، وعرف تفاصيلها، واستطلع أسبابها، والطب النفسي أحد الأبواب التي طرقها العلم لمعرفة ماهيات وعلل الأشياء، وبالتحليل والبحث تم التعرف إلى الكثير من الأمراض النفسية التي تصيب الغالبية العظمى من الناس لأسباب عضوية وبيئية ووراثية وغيرها من الأسباب التي تجعل الشخص عرضة لتلك الأمراض.
“الميتومونيا” أحد الأمراض النفسية التي تصيب نحو ثمانين بالمئة من الناس، والذين كانوا بالأصل طبيعيين، ولكنهم لايملكون المال، وهو عبارة عن حلم يقظة يصيب هؤلاء، بعد أن يُخيّل للمريض بأنه حصل على حقيبة من المال، أو كنوز ودفائن، لتبدأ رحلة حلمه، معتلياً جناحي التخيلات، وأنه أصبح رجل أعمال مهماً يدير الشركات ويتصدق ويؤمن فرص العمل، ويقضي ويمضي ويفرح ويلهو، وهو ما يؤكده علم النفس بأن “الميتومونيا” متلازمة تصيب أعداداً كبيرة من البشر، تجعلهم ينخرطون في متاهات الأحلام، وتتمحور حول تغيير كلي لحياته الجديدة بعد العثور على حقيبة النقود أو خزائن الذهب والمجوهرات، وفي تلك المتاهات يسرح الحالم، أين سينفق الأموال و شكل الترف و البذخ الذي سيبدو عليه، و شكل سيارته أو منزله المستقبلي و حتى الأشخاص الذين سيكرمهم أو سيهينهم حين يحصل على المال المزعوم، و كيف سيتحول إلى صاحب سطوة و جاه.
ويوضح الاختصاصي النفسي علي مدحت الشعلان أنه يتمحور تشخيص تلك المتلازمة لدى المصابين حول فكرة جوهرية أو وهم مشترك يجمعهم و مفاده أن قدراً كبيراً من المال سيدخل حياتهم، و يقلبها رأساً على عقب دون سابق مؤشرات و دون بذل أي مجهود في سبيله، أي لا عمل و لا تجارة و لا أي سبب آخر من الأسباب التي يجني بها البشرة المال في المعتاد.
وأضاف إن الأكثر شيوعاً حول هذا المرض انتظار اليوم الذي سيجد فيه المصاب تلك الحقيبة، حيث يتوقف عن العمل ومتابعة واجباته، لأن يوم السعد قادم، و سيكون الأمر حسب توهمه مجرد صدفة بحتة، أي إن الأمر لن يكون له علاقة بسرقة ذاك المال من أحد أو حتى سعيه للبحث عن ذاك المال في مكان يفترض باحتمال و لو ضعيف أن المال قد يضيع من أصحابه على مقربة منه، وسوف يتحول بيته إلى بنك أو مصرف، أي إن العملية بأسرها تقوم على أوهام مركبة تكاد تصل بصاحبها للاعتقاد أن حقيبة المال ستدق عليه غرفة نومه و ما عليه إلا أن يتمتع بحياته الجديدة في حضرتها.
وأشار الشعلان أن مظهراً آخر من مظاهر الميتومونيا قد تأخذه تلك المتلازمة في أذهان المصابين، يتمثل في اعتقاد أن ضربة حظ ستقلب حياتهم رأساً على عقب و ستحولها من حالة فقر إلى حالة ثراء فاحش و تتمثل ضربة الحظ تلك في ورقة يانصيب يقدمها صاحبها ثم ينسى أمرها إلى أن يتم الاتصال به لإعلامه بأنه يتوجب عليه الحضور لسحب أمواله، و لهذا السبب تطورت ألعاب اليانصيب و تعددت أشكالها كاللعب على وتر المتلازمة المذكورة و الآخذة في الاستفحال بين صفوف البشر.
وأوضح الاختصاصي النفسي لذلك كثرت ألعاب الحظ على الإنترنت و المحطات الإذاعية و التلفزيونية مدغدغة أحلام هؤلاء، وعازفة على وتر الإستثراء مصادفة لدى الكثيرين، منوهاً بأن الشكل الآخر من أشكال “الميتومونيا” هو تخيل بعض البشر أن البحر أو السماء سيبعثان لهما بثروة موعودة و بعض هذه الأوهام يصل إلى درجة لا تصدق من الغرابة، وانطلاقاً ممن ينتظر أن يقذف له البحر بكيس من الأموال أو الأغراض الثمينة الآتية من الضفة الأخرى، و مروراً بمن ستنزل عليه الثروة في حطام طائرة، بل ويبلغ بأولئك وصول الأمر للاعتقاد أن نيزكاً أو حجراً كريماً باهض الثمن سينزل عليه من السماء، أما الأغرب بين هذه التخيلات على الإطلاق فهي تلك التي تتمثل في اعتقاد الكثيرين أن بعض سكان الفضاء سينزلون بصحنهم الطائر ليسلموه ثروة مرسلة لهم من قبل أسلافه الذين ينظرون إليه من عليائهم و هم في العالم الآخر، ليبقى لله في خلقه شؤون.
وختم الشعلان نظراً لصعوبة تلك الحالة وعدم القدرة على إقناع المصابين فيها بأنهم يعانون وهماً، فإن أكثر هؤلاء يظلون تحت رحمة أعراضها رغم تظاهرهم بالشفاء منها و يبقى الحلم أو الوهم لديهم قائماً بأن الثروة قادمة و لو بعد حين، وأشار مثل هذه الأفكار المغلوطة و ترسخها في الأذهان تجعل قيمة العمل تتضاءل بانتظار أموال الحقيبة المعجزة و هي التي لن تأتي، ولهذا يجب مواجهة هؤلاء بحقيقة أن السماء لاتمطر ذهباً ولافضة، والحل هو العمل والمثابرة بدل التقاعس وانتظار المجهول.