ريم صالح:
هي أمريكا بكل عوراتها، تتجلى بوضوح، دون أن تجديها كل تعويذاتها السابقة، وشعاراتها الأفاقة حول حقوق الإنسان والحريات الزائفة والعدالة البشرية، والتي لطالما استخدمتها لتبرر تدخلاتها الاستعمارية غير الشرعية في سورية، أو تمكنها من طمس الحقيقة التي تؤكد وبالمطلق، بأنها ارتكبت جرائم حرب، وجرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية في سورية، وذلك عندما تزعمت قيادة الحرب الإرهابية، واحتلت أجزاء من الأرض، واستهدفت المدنيين السوريين، أطفالاً، ونساء، وكهولاً سواء بقنابلها الحارقة، أو بغاراتها العدوانية الممنهجة للبنى التحتية السورية، أو حتى بسرقتها للثروات النفطية، والمحاصيل الزراعية، أو بفرضها وشرعنتها لما يسمى “قيصر” الذي يستهدف أولاً وأخيراً، محاربة المواطن السوري في لقمة عيشه، وحبة دوائه.
كثيرة هي التقارير المثبتة، التي وثقت جرائم أمريكا في سورية، والتي فضحت بشكل أو بآخر ما يجري في الكواليس، والدهاليز الاستخباراتية الأمريكية، وما يتم حياكته من شراك في وزارة الحرب الأمريكية ضد السوريين، مستندة في ذلك -أي التقارير- إلى شواهد ميدانية جرت في الميدان السوري من جهة، وعلى آراء نخبة من الساسة والقانونيين الدوليين الذين أكدوا أن ما اقترفته أمريكا في سورية هو جرائم ضد الإنسانية، وأيضاً على روايات وتقارير لصحف أمريكية، واعترافات لجنرالات حرب أمريكيين أقروا بارتكاب قواتهم المحتلة مجازر بحق السوريين.
على رأس الجرائم الأميركية في سورية، هو ما ارتكبته قوات الاحتلال الأمريكية إلى جانب “تحالفها الستيني” في مدينة الرقة ، والذي أسفر عن تدمير المدينة عن بكرة أبيها، وتحويلها إلى أنقاض، حيث لم يسلم لا البشر، ولا الحجر من جرائم الحرب الأمريكية، الأمر الذي يشكل انتهاكاً جسيماً لاتفاقيات جنيف، فالمادة 147 من الاتفاقية الرابعة تنص على أنه لا يجوز تهديم، أو اتلاف البنى التحتية، أو ضرب مواقع الجسور، ومواقع توليد الطاقة الكهربائية، ومواقع المياه.
ويكفينا هنا أن نستذكر قنابل الفوسفور الأبيض الحارقة التي تعمدت أمريكا ضرب السوريين بها في الرقة، والتي ما هي إلا خير شاهد وبرهان على هول الجرائم الأمريكية المنظمة في سورية.
صحيفة نيويورك تايمز، هي الأخرى أماطت اللثام عن جرائم أمريكا في سورية حيث أكدت سقوط المئات من السوريين ضحايا معظمهم نساء وأطفال، جراء الغارات الأمريكية على ريفي منبج والرقة، خلال عامي 2016-2017 لافتة إلى أن تلك الوقائع تم الحصول عليها، من أرشيف سري بوزارة الحرب الأميركية.
اقرأ المزيد..
من فيتنام إلى العراق.. الغزو القادم تحت عباءات الحرية
كما اعتبرت الصحيفة الأمريكية أيضاً أن مجزرة الباغوز عام 2019 ستحتل المرتبة الثالثة في أسوأ أحداث الخسائر المدنية لقوات الاحتلال الأمريكي في سورية، إذا تم الاعتراف بقتل اربعة وستين مدنياً، مؤكدة عدم اتباع اللوائح الخاصة بالإبلاغ عن الجريمة المحتملة، والتحقيق فيها، أو محاسبة أحد.
المتحدث الرئيسي باسم القيادة المركزية النقيب وليم بيل أوربان اعترف من ناحيته بإزهاق أرواح الأبرياء في الغارات الأمريكية في سورية، موضحاً بأن التحقيق والأدلة تثبت تحمل القيادة المركزية المسؤولية الكاملة عن الخسائر في الأرواح، مع إشارته إلى أن قيادته قالت أنه لا يوجد ما يبرر إخطاراً رسمياً بجرائم حرب، أو تحقيق جنائي، أو إجراء تأديبي.
لكن محامي سلاح الجو ، المقدم دين دبليو كورساك ، قال أنه شهد جرائم حرب في سورية، مؤكداً أنه أبلغ المفتش العام المستقل لوزارة الحرب، ولجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ ،بحصوله على مواد سرية للغاية تؤكد أن إحدى الوحدات العسكرية قامت بتزييف سجل الضربات للتستر على الجريمة في الباغوز، ووصف حصيلة القتلى بأنها عالية بشكل صادم، مؤكدا أن الجيش لم يتبع متطلباته الخاصة للإبلاغ عن الغارة والتحقيق فيها.
وبحسب قانونيين دوليين أيضا، فإن شرعنة ما يسمى “قيصر” جريمة حرب ترتكبها أمريكا ضد سورية باعتباره يستهدف لقمة عيش المواطن السوري، وهو طبعاً ينتهك اتفاقيات جنيف، كما أن سرقة النفط السوري، والثروات الباطنية، والمحاصيل الزراعية السورية، هو الآخر جريمة حرب، ويكفينا هنا أن نستشهد بما قاله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نفسه، عندما ادعى أنه ينوي سحب قواته الغازية من سورية في نهاية العام 2019 ثم تراجع عن هذا الانسحاب، بقوله: “قواتنا تحرس النفط والنفط السوري أصبح لنا”، وبالفعل قامت قوات الاحتلال الأمريكية، ولا تزال إلى يومنا هذا، بنهب النفط السوري، وتهريبه إلى تركيا وحرمان الشعب السوري منه.
ووفق حقوقيين فإن هذا الفعل هو جريمة حرب بناء على الاتفاقية الرابعة في جنيف، التي تنص على أن سرقة الثروات الباطنية هي جريمة حرب، أيضاً بالوقت نفسه هي جريمة ضد الإنسانية، حسب ما جاء في العهد الدولي عام 1966 في المادة (1) والمادة (10) والمادة (11)، لأن أمريكا هنا تسرق الثروات، ومن حقّ كل شعب أن يتصرف بموارده وثرواته الباطنية، كما جاء في المادة الأولى
المشتركة ما بين العهدين الدوليين، وبالتالي فإن قوات الاحتلال الأميركي ارتكبت جريمة ضد الإنسانية، وارتكبت جريمة حرب أيضاً، لأن هذه قوات هي قوات غازية محتلة، فسرقة النفط، وسرقة الثروات الباطنية تُعتبر جريمة حرب، وهو ما يخالف اتفاقية لاهاي لعام 1907، كما يخالف البروتوكول الملحق الأول باتفاقيات جنيف، ويخالف الاتفاقية الرابعة المتعلقة بقوة الاحتلال، ومعاملة السكان المدنيين مع ثرواتهم وآثارهم في تلك المنطقة، ولذا فهي هنا تأخذ صفتين صفة جرائم الحرب، وصفة جرائم ضد الإنسانية.