من الصعوبة العبث في الحقائق الصلبة، حيث تمتاز بالرسوخ التام والوضوح الكامل، ولكن يمكن الالتفاف عليها، عبر التكاذب والتعامي، وهذا ما ينطبق على الاستهداف الصهيوني المتكرر للأراضي السورية، وهو ما يتجلى في حقيقة صلبة، وهي العداء المستحكم أولاً ثم الخطر المتعاظم ثانياً.
وهذه الحقيقة الصلبة يجب تجاوزها في العقل”الإسرائيلي”، حتى يصبح العدوان على سورية مصلحةً عربية، ويصبح استنزاف دمشق في العقل الجمعي العربي ثواباً مجانياً، على قاعدة يُثاب المرء رغم أنفه.
وقد زعمت مصادر”إسرائيلية”: إنّ “استهداف مطار دمشق تحذير لسورية من الخضوع للنظام الإيراني، وأنّ هذا سيكلفها ثمناً باهظاً، أشد من ثمن التخلص من هذا النظام الإيراني”، وحسب”يديعوت أحرونوت” كما نقلت عن مسؤولين: “أنّ (إسرائيل) قررت رفع درجة ضرباتها في سورية لأنّها تتيح الفرصة لنقل الأسلحة لحزب الله، ولذلك قررت تحذيرها بضربةٍ قاسية”.
وهكذا ضرب إيران في سورية كما تزعم إسرائيل تسوقه الأخيرة كي يصبح مدعاة للتهليل العربي، كما أنّ الكذب لا يخفى في تصريحات المسؤولين الصهاينة التي تدعي أن هناك إشارات للرئيس الأسد للتخلي عن صداقة إيران، فلا تستطيع وسيلة إعلامية مرئية مسموعة أو مكتوبة، مهما نبشت أرشيفها، أن تجد تصريحاً واحداً للرئيس السوري، يؤشر فيه للتخلي عن التحالف مع إيران، كما أنّه لم يمضّ الكثير من الوقت بعد، على الزيارة الأخيرة للرئيس الأسد إلى طهران، حتى يتعامى الصهاينة فيكذبون على الهواء مباشرة.
ولكن بعيداً عن محاولات الالتفاف، فإنّ الاستهداف الصهيوني لدمشق، لا أعتقد أنّه كما يذهب البعض، باعتباره محاولة لفرض معركة بتوقيت العدو، فهذا الكيان المؤقت لم يعد لديه وقت مناسب للحرب، فهو يعاني من عجزٍ مزمنٍ لا خلاص منه ولا شفاء، والوقت الوحيد الذي يناسبه، هو أن تشنّ أمريكاً حرباً، وهذا لم يعد ممكناً.
لو أخذنا تصريحات المسؤولين الصهاينة عن تشكيل ناتو شرق أوسطي، نستطيع الذهاب بالاستنتاج أنّ هذا الاستهداف عالي السقف في سورية، والمتزامن مع تهديدات تركية بعملية عسكرية في سورية، مضاف لها تزامن أشدّ دلالة، وهو الحديث”الإسرائيلي” المتواصل عن تعاون استخباري تركي “إسرائيلي” لمواجهة محاولات اغتيال إيرانية لمسؤولين”إسرائيليين” على الأراضي التركية، ما هي إلّا “بروفة” لنواة ذاك الناتو، حيث أنّ استهداف سورية، في إطار استهداف إيران، بمشاركة تركية-إخوانية-، وعليه يصبح أمر الناتو الشرق أوسطي مستساغاً، وقابلاً ليصبح واقعاً في العقل العربي مستقبلاً، حتى لو كان بقيادةٍ “إسرائيلية”.
ولكن ما يجب أن يدركه العقل الصهيوني، أنّ كل هذه التراكمات الرثة فوق الوعي الجمعي العربي، ستصبح هباءً بمجرد وصولنا لساعة الصفر، حين يقررها محور دمشق، فحين يُقتل الصهاينة، تلقائياً يتحرر الوعي العربي، وتلقائياً يعود سيرته الأولى.