الثورة _ فاتن أحمد دعبول:
قرابة قرن من الزمن قضاها الراحل د. مروان المحاسني في البحث والتأليف في مجالات عديدة هاجسه الأول أن ينهض باللغة العربية، فقد نذر شطرا كبيرا من حياته وهو يصنف المصطلحات ويسعى عبر اللجان والمؤتمرات والأبحاث أن يصنع فرقا فيما يقدمه من علوم ودراسات من أجل أن يصون اللغة ويحصنها مما قد يشوبها من مفردات دخيلة.
واحتفاء بمسيرته العلمية أقام مجمع اللغة العربية بدمشق وبرعاية كريمة من د. نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية حفلا تأبينيا للعلامة الراحل الدكتور مروان المحاسني، في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، وسط حضور رسمي وثقافي وشعبي كبير.
وبدأ حفل التأبين بعرض فيلم وثائقي من إعداد عضو المجمع مروان البواب، تضمن محطات من سيرة المحاسني الذي غادرنا في 20 آذار الماضي عن عمر ناهز 96 قضاها في خدمة العربية، هذا إلى جانب تسليط الضوء على إنجازاته الطبية والعلمية والعربية والمراكز التي تبوأها والجوائز التي نالها داخل سورية وخارجها، وختم الفيلم الوثائقي بعرض أهم مؤلفاته العلمية والأدبية.
وأكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور بسام إبراهيم في كلمة راعية الحفل الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية أن الراحل المحاسني هو واحد من رجالات العلم والأدب، وعالم من علماء اللغة العربية البارزين، يتوهج القلم بين يديه ألقا ومعارفا.
وكان أستاذا هادئا، متسامحا، حمل الأمانة بإخلاص وأعطى للحياة ولمن حوله جهده وخبرته وتجربته وحبه، تمتع بدماثة الخلق وحسن المعشر وطيبة القلب والتواضع الذي زاده احتراما وتقديرا وحبة في قلوب الناس والطلاب
وهو باحث وأستاذ جامعي وطبيب جراح بارع، ورئيس لمجمع اللغة العربية منذ العام 2008 وحتى وفاته، وكان له عناية واهتمام خاص بتعريب المصطلحات الطبية والعلمية مستفيدا من إتقانه للغات، فهو قامة علمية ووطنية وبحر في العلم وغزير الثقافة، واسع الأفق، ومدافع صلب عن اللغة العربية، بل محب وعاشق لها.
وبحزن شديد عبر د. محمود السيد رئيس مجمع اللغة العربية في كلمته بالقول: ما كنت أحسبني يوما أن أقف هذا الموقف الصعب، مؤبنا الأستاذ الكبير مروان محاسني، فقد كانت سيرته حافلة بالعطاء في المحافل كافة” المحلية والعربية والعالمية”، جمعتني به الكثير من اللجان عندما كنا عضوين في المجمع، وكان يتمتع بمخزون ثقافي واسع ومعرفة متنوعة،
وأبرز ما يميزه الهدوء والاتزان والتحلي بالصبر في معالجة الأمور، وعني كثيرا بالجانب الإنساني وتلبية ذوي الحاجات وتسيير أمورهم بنفس راضية، هذا إلى جانب تمتعه بذاكرة متقدة قل نظيرها وبقيت متألقة حتى أيامه الأخيرة، ولكن رغم تمكنه من لغات أخرى، إلا أن اللغة العربية كانت حبيبته الأولى التي ملكت عليه فؤاده.
وتوقف الأستاذ الدكتور أسامة الجبان رئيس جامعة دمشق عند خصال د. المحاسني ووصفه بأنه قامة علمية ووطنية وواحدا من رجالات العلم والفكر في سورية والوطن العربي، وأحد العلامات الفارقة في جامعة دمشق، فقد ساهم على مدى أكثر من 95 عاما في خدمة رسالة العلم ومهنة تدريس الطب في جامعة دمشق، بكل ما تحمله هذه الرسالة في طياتها من المعاني.
وبدوره بينت الأستاذة الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة، عضو المجمع أن الراحل المحاسني كان مرجعا موسوعيا في المصطلحات الطبية، كما في علوم البيئة والفنون والآداب وألفاظ الحضارة، عالم موسوعي أبعد ما يكون عن التزمت والانغلاق الفكري، لا يجد غضاضة في الاعتراف بخطأ أو التراجع عن رأي أو موقف جانب فيه الصواب.
وكان الدكتور المحاسني قادرا أن يحول الجلسات العملية إلى مزيج عجيب من الفائدة والمتعة، فائدة ننهلها من معين علمه، وواسع معرفته، وتعدد مشارب ثقافته، ومتعة تبهج بها الجلسة طلاوة حديثه وخفة ظله.
وأضافت: أيها الأب والصديق العزيز، تركت فراغا لا أحسب أن من اليسير علينا أن نملأه وأثرا أنى للزمان أن يمحوه أو يبهت ألقه.
وفي كلمة طلاب الفقيد نقل د. إياد الشطي عضو المجمع رسائل من طلاب كان له الفضل والأثر في حياتهم المهنية والاجتماعية، وتوقف بدوره عند ثلاث وقائع، أولها مروان محاسني الجراح، فقد اختص في أرقى مشافي فرنسا ثم بريطانيا وقام بإجراء أول عمل جراحي على القلب عام 1959.
وثانيهما: مروان محاسني المعلم، رئيس قسم الجراحة ينقذ مريضا أثناء العمل الجراحي، أما ثالثا فهو المحاسني بشمائله، ففي كل عيادة أثر طبيب، وفي كل جناح عمليات لمسة حضارة.
كما ألقى الباحث الدكتور سامي المبيض كلمة آل الفقيد نظرا للعلاقة التي كانت تربطه بالدكتور المحاسني، وبين أن حديثه معه كان دائما يدور حول مدينة دمشق في زمنها الجميل وعن ذكرياته الملونة في أزقتها وعلاقته بشخصيات تاريخية عرفها عن قرب وتأثر بها.
وقد ظلت اللغة العربية قريبة من قلبه يدافع عنها بشغف حتى اليوم الأخير من حياته.