جرى إدراك الصلة الوثيقة، بين الفن والعلم تدريجياً ، منذ عصر النهضة، حيث وجدنا بعض المؤرخين يطلقون اسم الفنان العالم، على كثير من فناني عصر النهضة، الذين مارسوا الفن والعلم، وأفضل مثال هنا ” ليوناردو دافنشي ” . كما أن ” كو نستابل ” كان يتحرى الطبيعة وحالة الجو، كأي عالم قبل رسمها. وكان ” جورج سورا ” الفنان الأكثر تأثراً بالعلم بين فناني الربع الأخير من القرن التاسع عشر عبر البرنامج الذي بلوره في النظرية التجزيئية أو التنقيطية، والتي تجاوزت تلقائية الانطباعية وحسيتها المباشرة، إلى نظام عقلاني دقيق، ولقد سار على خطاه ” بول سينياك ” .
لكن ثمة اسئلة من النوع الاعتراضي ،تثير خلافات ونقاشات وانقسامات في الرأي، لأن بعض هذه المدارس تؤدي إلى تقديم العلم على الفن، كونها قائمة على نظريات وافتراضات ومعادلات رياضية وكيميائية وهندسية، مثل الجزئيات وعلاقة الضوء بالكتلة والحركة بالزمن والمجاهل المجهرية والإشعاعية والكمبيوترية وسواها.
وعلى سبيل المثال مدرسة (واقعية الكم) تقوم على العمليات الفيزيائية والكيميائية، وهذه المدرسة تعطي – على حد تعبير- مؤسسها ومنظرها محمود صبري، الفن خصوصية مستمدة من الطبيعة كــ ” كيان من عمليات مادية ” العمليات الطبيعية غير المرئية تصبح مرئية للإنسان. ولهذا فواقعية الكم تقف على النقيض تماماً، من كل المدارس الفنية الحديثة. لأنها تضع اكتشافات العلم في متناول إدراك الفنان، فالعلم والفن يخترق احدهما الآخر، وسيصبحان كلاً واحداَ، سيكون هناك فن علمي أو علم فني للإنسان، وحينئذ ستظهر بشرية جديدة، يكون هذا الفن الجديد نقطة الانطلاق لها.
فالماء على سبيل المثال لا يرسم عبر ( واقعية الكم ) كما نشاهده في الواقع ، وإنما يرسم كنتيجة طبيعية وحتمية لتفاعل جزيئين من الهيدروجين وواحد من الأوكسجين. أو حسب العملية الكيميائية التي تحدد تكوينه H2O وهكذا نصل الى تراكيب وعلاقات لونية مغايرة ومثيرة، وواقعية الكم في ذلك تردم الهوة الشاسعة التي تفصل بين العلم والفن. الإنسان يستطيع أن يتابع من خلال لوحات واقعية الكم ما يجري في أعماق الطبيعة من ظواهر فيزيائية وكيميائية. الطبيعة غير المرئية تصبح مرئية للإنسان، وعند ذلك سيكون هناك فن علمي أو علم فني للإنسان، وبذلك ستظهر بشرية جديدة، يكون هذا الفن نقطة الانطلاق لها.

التالي