الثورة – رشا سلوم:
لا يعرف الكثيرون ممن يكبون الشعر الحر كما أسمته نازك الملائكة أنهم مدينون لها بهذا اللون الإبداعي الذي أصبح اللوحة الفنية الحداثية, وبعدها ليصبح قصيدة النثر التي ولدت فيما بعد من رحمه, أو من جرأة الشعر الحر الذي يقوم على التفعيلة, وقد غيرت نازك الملائكة الاسم فيما بعد وانتقلت إلى شعر التفعيلة, لأن التفعيلة هي الأساس, تمر هذه الأيام ذكرى رحيلها وهي ملأت الساحة الإبداعية تجديداً وقدرة على التفاعل, وكانت بداية شعر التفعيلة مع قصيدتها الكوليرا عام 1947/
وفي محطات حياتها جاء في الموسوعة العربية التي أصدرتها الجمهورية العربية السورية, التالي, وكان قد أعد المادة عنها أحمد جاسم الحسين:
نازك الملائكة شاعرة وناقدة أدبية، وقاصة وأستاذة جامعية، ولدت في بغداد بالعراق، والملائكة ليس لقبها بل أحدث ألقاب العائلة، سمّاها والدها بنازك على اسم الثائرة السورية نازك العابد، إذ كان معجباً بشخصيتها الوطنية، عاشت في منزل جدها حتى عام 1938م، وقد تزوجت من عبد الهادي حبوبة عام1961م، وأنجبت منه وحيدها «البراق» بعد تمنعها عن الزواج فترة من الزمن، وتشكيلها في مرحلة مبكرة من عمرها مجموعة ضد الزواج،
نشأت في أسرة مولعة بالعلم والأدب، فأمها سليمة الملائكة كانت تكتب الشعر وتنشره، وأبوها صادق الملائكة المثقف الموسوعي ألف موسوعة أسماها «دائرة معارف الناس»، وأختها إحسان كانت تشاركها الكتابة والاهتمام.
أكملت دراستها الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية في بغداد، وعُرفت بنشاطاتها المسرحية وحبها المبكر للموسيقا، وحب المطالعة.
حصلت عام1939م على الثانوية ثم دخلت دار المعلمين العالية -فرع اللغة العربية، وتعلمت الإنكليزية وقرأت الشعر الإنكليزي، وكذلك تعلمت الفرنسية.
ابتُعثت أكثر من مرة إلى بريطانيا والولايات المتحدة حيث حصلت على الماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكونسن 1956م، ونشرت عدداً من القصائد والمقالات بالإنكليزية، ونشرت كثيراً من نصوصها ونصوص أختها إحسان في مجلة الآداب وكان الصراع مشتداً بين نمطين من التفكير في فهم الشعر، ونشرت المقال والقصة أيضاً.
عملت في مجال التدريس الجامعي في بغداد والبصرة والكويت، ومنحتها جامعة البصرة الدكتوراه الفخرية عام 1992م. وشاركت في مؤتمر الأدباء العرب الأول الذي انعقد في بلودان عام 1957م.
بدأت رحلتها مع الشعر منذ وقت مبكر، من العقد الأول من حياتها؛ قالت: «سمعت أبويَّ وجدي يقولون عني إنني شاعرة قبل أن أعرف معنى هذه الكلمة» لكنها أغفلت نشر كثير منه «غير أنني أهملت هذا النتاج المبكر ولم أدرج منه شيئاً في مجموعاتي الشعرية المطبوعة، لأنني بقيت أنظر إليه على أنه شعر الصبا قبل مرحلة النضج».
وتعدّ قصيدتها الشهيرة «الكوليرا» عام1947م الإعلان الأبرز عن تجربتها، إذ أعلنت فيها عن تفاعلها مع ما حدث من ذلك الوباء في مصر مضفية على تعبيرها أبعاداً إنسانية كبيرة، وكانت القصيدة المنطلق الفعلي لتجربتها الشعرية «ومنذ ذلك التاريخ انطلقت في نظم الشعر الحر، وإن كنت لم أتطرف إلى درجة نبذ شعر الشطرين نبذاً تاماً، أو مهاجمته كما فعل كثير من الزملاء المندفعين الذين أحبّوا الشعر الحر».
في مطلع القصيدة تقول:
سكَنَ الليلُ
اصغِ إلى وقعِ صدى الأنَّات
في عمقِ الظلمةِ
تحت الصمتِ على الأمواتِ
خاضت معركة شعر التفعيلة وقيلت أقاويل حول موقفها منها وعدها كثير من المهتمين أنها رائدة شعر التفعيلة، إذ يرى إحسان عباس مثلاً أنها رائدة الشعر الحديث، ويقول عن ذلك موازناً بمحاولات السياب «ذلك أن للسياب قصيدة واحدة نظمها قبل عام 1948م يزعم أنه اهتدى إلى شكل جديد، ولكنها قصيدة لم تنبثق عن الشكل القديم إلا انشقاقاً جزئياً خفيفاً لا يوحي لأحد من الناس بالجدة ، بينما أصدرت نازك عام 1949 ديواناً يجري على هذا الشكل الجديد، وفيه مقدمة نقدية تدل على وعي بأبعاد طريقة جديدة».
تعد نازك الملائكة ـ على الرغم من اختلاف وجهات النظر في تجربتها ـ واحدة من أساطين حركة الشعر الحر التي ارتبط بها استلهام الموروث الديني والأسطوري استلهاماً فنياً ناجحاً في الأدب العربي المعاصر، وقد استلهمت كثيراً من الرموز والحكايات الأسطورية في شعرها شأنها في ذلك شأن سائر أعلام الشعر الحر، غير أنها من دون غيرها توقفت منذ سنة 1952م عن استلهام هذا الموروث، ولم يعد يمثل رافداً ذا بال في تجربتها الأدبية أو رؤيتها الشعرية. وما لفت الأنظار في شعرها هو الجانب الإنساني في تلقيها لما يدور في العالم، كما حضرت بقوة في شعرها الأسئلة الإنسانية حول المآل والمصير بلغة بسيطة قريبة من مختلف أنواع المتلقين.
واختلفت دوافع الإعجاب بشعرها بين المهتمين، فالباحث إحسان النص يقول «منذ قراءتي لديوان الشاعرة أحسست أن في قيثارتها وتراً لا يوقع إلا أنغاماً حزينة تبعث الشجن في النفس، ويشف عن نفسية تنضح بالكآبة والقلق، وعن نظرات قاتمة متشائمة لا ترى من الوجود إلا الجانب الأسود الكالح، ويومئذ لم أتساءل عن سر هذه الأنغام الحزينة المنبعثة من شعرها، بل لعلي استقبلتها بكثير من الرضا والاستحسان».
وقد أشار الباحث محمد مصطفى هدارة إلى الحضور الإنسان في شعرها «إن الإنسان في شعر نازك الملائكة ماثل ببدئه وانتهائه، بخيره وشره، بمثله وانحطاطه، وهو ليس إنساناً مطلقاً مجرداً في كل حين، وليس دائماً إنساناً محدداً ذا واقع مادي، ولكنه الإنسان الذي أحسته الشاعرة في نفسها»؛ ففي قصيدتها «النائمة في الشارع» أثار اهتمامها الجانب المأساوي في حياة الفقراء الذين يموتون جوعاً في زوايا الطرقات فقالت:
في «الكَرّادة»، في ليلة أمطارٍ ورياحْ
والظلمةُ سقفٌ مُدَّ وسترٌ ليس يُزاحْ
انتصف الليلُ وملءُ الظُلْمةِ أمطارُ
وسكونٌ رطبُ يصرُخُ فيه الإعصارُ
كان البرقُ يمرّ ويكشفُ جسمَ صَبِيّة
رفَدْت يلسَعُها سوطُ الريحِ الشتويّة
الإحدى عشرة ناطقةٌ في خدَّيها
وقد اهتمت بالقضايا الاجتماعية فنشرت كتاب: «مآخذ اجتماعية على حياة المرأة العربية» و«التجزيئية في المجتمع العربي»، وفي القصة نشرت: «الشمس التي وراء القمة» قصص قصيرة، وفي النقد نشرت «الصومعة والشرفة الحمراء» وهي دراسة نقدية في شعر علي محمود طه، و«قضايا الشعر المعاصر»، وفي الشعر صدرت لها في ستين عاماً المجموعات الشعرية: «عاشقة الليل» و«شظايا ورماد» و«قرارة الموجة» و«شجرة القمر» و«مأساة الحياة وأغنية الإنسان» و«ديوان نازك الملائكة» و«يغير ألوانه البحر» و«الصلاة والثورة».