كثيراً ما رددنا وسنبقى نردد الجنة تحت أقدام الأمهات ..وهن صانعات الحياة وأمجاد الأبناء…
الأم كتاب الوجود الأول والأخير ..ألم يقل الشاعر :وإذا لم تكن الأمهات كتاباً فكيف يقرأ الأبناء؟.
نعم هن الكتاب الذي لا تفارقك حروفه ولا صفحاته بل يظل لصيقاً بك إلى أن تطوى آخر صفحات حياتك ..
واليوم ونحن نعبر في سورية مخاضاً مؤلماً مازال طويلاً وشاقاً تظهر قدرة الأمهات على الصبر والمصابرة على البذل والتضحية..
لن نتحدث عن فلذات الأكباد التي ارتقت إلى العلياء لنبقى.. وكم زغردت الأمهات في حومة الخطب لهذا الفداء…
لقد علمننا درساً لايمكن لأحد في الكون أن ينساه ..أم يستشهد أبناؤها الخمسة وتردد : فداء سورية..
هؤلاء الأمهات يليق بهن الخلود يليق بهن أن يكون الوطن بهياً نقياً شامخاً أن تبتر اليد التي تسرق وتخون وتعيث فساداً..
تضحيات لم يعرف التاريخ مثلها ولكن ثمة من لا يقدر ولا يقترب من الإنسانية حتى على مسافة قرون.
في هذه الظروف الضاغطة التي ترهق الجميع في تدبير أحوال الحياة تبدو معجزة الأم السورية في تدبير أحوال أسرتها وكم كتبنا أننا نتوق لأن تعمل مؤسساتنا بعقلية الأمهات تدبيراً وتفاعلاً مع كل ما نمر به..
في مخاض الحياة المرة هذه يروي أحدهم أن طفلة جاءت لشراء ثلاث بيضات ..ومن باب الفضول سألها: لماذا ثلاث بيضات؟ أجابت نحن ثلاثة أخوة.. ويضيف : وأمك وأبوك؟
تبتسم الطفلة: دائماً أمي تضع لنا الطعام ونأكل نحن الثلاثة..نقول لها : تعالي كلي معنا ..فتقول : الأم لا تجوع …أمي لا تجوع أبداً.
كم في هذا الوطن من أمهات وآباء لايجوعون أمام لقمة أبنائهم…لكنهم حقيقة يتضورون ألماً و معاناة يشتهون كسرة الخبز ..لكنهم الأبناء يجب أن يأكلوا أولاً..
وعلى المقلب الآخر كم من متوحش لا يعرف الشبع …شره جائع لكل شيء .. أسراب حرام لا تبقي لا أخضر ولا يابساً…
لقد زرعنا أبناءنا لتغدو تربة الوطن أكثر طهراً وخصباً .. زرعناهم لتغدو حقول القمح أكثر عطاء ليشمخ الزيتون والبرتقال وليبقى الفرات يعانق دجلة وبردى وجبل الشيخ وسهول حوران..
لم نزرعهم للغربان والجراد …إنهم أعمدة من نور ومن يعبث بنور الأوطان مهما طال فعله فلا بد أنه إلى نهاية.