الثورة – أديب مخزوم:
معرض مشاريع الخريجين الجدد في مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية، أقيم تحت رعاية وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح، وبإشراف وتنظيم الفنان التشكيلي قصي الأسعد ( مدير المركز ).
واللوحات رغم واقعيتها القصوى أحياناً، فهي تترك لأصداء الحوار التشكيلي البصري مساحة من الحرية التقنية، وذلك باعتماد تقنية تكثيف اللون وتركيب طبقاته وإبراز الملامس الخارجة عن إطار النعومة الكلاسيكية والتقليدية. ومن هذا المنطلق يفسح المعرض المجال لاكتشاف أسماء جديدة يمكن أن تقدم للحركة الفنية اسهامات مميزة.
المشاركون والمشاركات حسب تسلسل الأسماء في بوستر المعرض: ( أماني غالاتي، آلاء حواصلي، خليفة أحمد، دالين العاص، دعاء الطويل، راما ريحان، رجاء بيلون، رغد الطحان، رنا ريحان، رهام طراقجي، روان الحاج علي، ريم الفاعوري، ريما الرفاعي، سارة مراد، عتاب التركبي، غنى طنطا، فاطمة المصري، مايا يعقوب، نهى العثمان، هبة الصوص، هبة الصالح، هدى الأدهمي، يارا صفايا، ياسمين قدورة، يولا سليمان ).
وتركزت المواضيع حول العناصر الإنسانية ( وخاصة الوجوه ) والطبيعة والبحر والأشكال الصامتة والبيوت القديمة وغيرها، وتميز المعرض بمستويات متقاربة لجهة الالتزام بقواعد الرسم الواقعي، وجاءت اللوحات بقياس موحد ١٠٠× ٧٠ سم ( زيتي على كانفاس ).
وأول ما يلفت النظر في هذا المعرض، هو حصر الأعمال أو مشاريع التخرج في إطار الرسم الواقعي، وبذلك لم يقع ولا طالب في منزلقات التشكيل التجريدي أو التعبيري، بخلاف مانجده في العديد من معارض الخريجين، الذين يحاولون حرق المراحل وتقديم أنفسم وهم في بداياتهم كفنانين تجريديين.
نرى في بعض اللوحات تركيزاً لإظهار بؤر الضوء وتحولات اللون والأداء العفوي في خطوات الوصول إلى التأثيرات البصرية المطلوبة، وبالتالي النفاذ إلى أبجدية تصويرية ناتجة عن اختبارات تقنية متواصلة، فبعض الأسماء تبحث عن إيقاعات عقلانية وعفوية في آن واحدة، بمعنى أنها حين تعمل على إعطاء اللوحة لمسات عفوية وتلقائية، فإنها تتجاوز الدقة الرياضية، بقدر ما تذهب لإضفاء أجواء عفوية تتحقق بلمسات مبنية على حساسية تتجاوز السياق البصري الساكن المقروء في اللوحة التقليدية.
وهذا ينطبق على ( لوحة راما ريحان المنشورة على بوستر المعرض ) والتي لفتت نظري قبل أن أعلم أن صاحبتها حائزة على المركز الأول بين الخريجين، لقدرتها على تحديد بؤر الضوء وتحولات اللون، وفق المنهج الانطباعي، ومنح المشهد حيوية، على الصعيدين التكويني والتلويني.
(رهام طراقجي) سبق وشاركت معنا في بعض المعارض التكريمية، ولوحاتها السابقة تميزت بمواضيعها التعبيرية على خلفية تجريدية، إلا أنها عادت في هذا المعرض إلى الصياغة الواقعية الدقيقة، وبذلك تكون قد سارت بعكس مسار الفنانين الذين يتدرجون في معارضهم من الواقعية باتجاه التعبيرية أو التجريدية أو إلى أي مدرسة فنية حديثة.
من الصعب وضع كل لوحة في دائرة الضوء الإعلامي والنقدي، بمقال واحد، لاسيما وأن المعرض يتضمن مجموعة كبيرة من الأعمال، التي تتناول مواضيع من الحياة العامة، ولقد أخذت هذه اللوحات من أصحابها مزيداً من الوقت والجهد والصبر الطويل، وهذا يعني أن المعرض متعوب عليه، ويعرفنا على مواهب جديدة في طريقها إلى التألق والبروز، والمساهمة في رفد المشهد التشكيلي بعطاءات جديدة، وفي النهاية البقاء للأفضل.
مواضيع الطبيعة الصامتة عولجت بوعي أكبر قياساً إلى أعمال أخرى، كل ذلك بهدف الوصول إلى أقصى حالات الواقعية. حيث رسمت بدقة تفصيلية متناهية دون أن تترك أي فسحة أمام اندفاعات اللمسة العفوية (وخاصة الخضار والفواكه وغيرها)، حتى إن الباذنجان والعنب والثوم والخبز و غيره يتطابق هنا مع ألوانه الطبيعية، وتبرز القدرة أيضاً في إظهار الأواني والأصداف اللماعة. وهذا يثير إعجاب ودهشة نسبة كبيرة من الجمهور الذي يغرم، وكما هو معروف، بالأعمال الواقعية، ويعتبر أن المعيار يكمن في مدى إمكانية النقل الحرفي لتشكيلات الواقع.
وهذه الأعمال تعيد إلى ذاكرتي بعض العبارات التي قالها الناقد التشكيلي الفرنسي المعروف “ديديرو” حين رأى لوحات المصور الكلاسيكي «شاردن» الذي تميز في نقل أدق التفاصيل، في لوحات الطبيعة الصامتة «هذا هو لحم السمك بحقيقته وهذا هو جلده وهذا هو دمه أيضا » ولهذا لم يكن يستطيع أن يرسم إلا بضع لوحات في العام الواحد.
نستعيد هذا الكلام مع علمنا المسبق أن الفنان مطالب في المستقبل بالخروج عن النمط الواقعي التسجيلي، وإيجاد اسلوبه وبصمته الخاصة، حتى لاتكون لوحاته بعيدة عن روح وثقافة وتحولات وانقلابات فنون العصر.