الكتابة فعل حياة.. نكون أو لانكون

الملحق الثقافي-فاتن أحمد دعبول:

تبقى الكتابة هاجسهم، لا يهم إن كانت وسيلتهم القصة أم الرواية، أم الشعر، المهم ثمة ضوء يسطع في داخلهم يتبعونه علّ الخلاص يكون في آخر نفقهم المتشعب بالأحلام والآمال والتطلعات، في زمن عزّ فيه الفرح وكثرت فيه آهات المتألمين، ولكن عندما نسألهم لمن تكتبون، ولماذا تكتبون، تكون المفاجأة أن الكتابة هي الشر الذي لابدّ منه، وهو عالمهم المسحور الذي لا رجعة منه.
الأرقم الزعبي: الكتابة مسؤولية
يبدو أن الزمن الراهن بما يحمله من هموم وتحديات قد أخذ من صديقنا الأرقم الزعبي الكثير من تفاؤله، ولدى سؤالنا له لماذا تكتب ولمن تكتب؟ أجاب:
في زمن الشحار والرايات السوداء والبحث عن الرغيف والمسكن ولحظة الدفء .. في مثل هكذا زمان يحلو للبعض طرح سؤال لماذا نكتب ولمن نكتب؟
في الأصل الكاتب، يكتب تعبيراً عن فيض معرفة وإحساس وتأثر أو معاناة، أو يكتب لأنه يعيش حالة من الترف والغياب عن الواقع أو يكتب ليبقى على قيد الحياة وللتعبير عن الوجود أو بحثاً عن النجومية أو خدمة لسلطة أو جهة ما ودوافع مالية.
تتعدد الأسباب التي تدفع الكاتب للكتابة، ولكن الدافع الأجمل والأنبل للكتابة، الكتابة للواقع، لنشر الجمال ورفع سوية الذوق العام والتضامن مع الواقع، وأحياناً يتمرد الكاتب على الواقع، فيكتب ليتضامن مع مستقبل أفضل قد يدفع الثمن من تهميش وغربة في مجتمعه، وقد ينال درجة القداسة مستقبلاً، لأن الفكر والإبداع والكاتب لا يموت.
اليوم نتضامن ونعجب بإنتاج كاتب أو شاعر كتب قصيدة قبل الميلاد لا هو يعرفنا ولا نحن نعرفه، نكتب لأن الكتابة حياة وخلود، ولأن الكتابة ضرورة وإدمان عند الكاتب.
نحن نكتب للطفولة للمهمشين، للنساء الجميلات، للوطن، للشهيد، للأم .. نكتب للإنسان والإنسانية، للفلاح، للعامل، للعشاق، للطبيعة، للطيور والهواء والبحر والمنارات.
نكتب للروح الساكنة هناك في صدر كلّ إنسان، يطول الحديث عن الكتابة والكتاب، الكتابة مسؤولية، الكتابة عفريت يركب الكاتب يجبره على تفريغ ما لديه.
إيمان شرباتي: أكتب للوطن
لماذا أكتب؟
تقول الأديبة والروائية إيمان شرباتي، هذا سؤال طرحته على نفسي يوما، وعرفت الجواب ..
أكتب لأتخلص من ضيق الزمان والمكان، وأتحرر منهما إلى فضاءات واسعة أجد فيها نفسي، لأن الكتابة تحمل سحراً يجعلها تساهم في تخفيف وطأة الضغوط النفسية التي قد تسببها لنا بعض المشاكل والفواجع اليومية.
إنها كالبلسم الذي يستطيع أن يضمد جراحاتنا ويفرغ الكثير من شحنات الألم، إن إطلاق سراح معاناتنا لا يأتي إلا حين نطلقه على الورق، ومن خلال أبجدية الهم وأحرف العلة، نلجأ للكتابة لنفرغ ما في أعماقنا .. لولا القلم لنزفت أعصابنا وعقلنا معاً، وأعتقد أنه كلما كان الكاتب صاحب قضية كبيرة جاءت كتاباته مفيدة وعظيمة.
كتبت مرة في مقدّمة إحدى رواياتي» كانت الأيام طويلة كدهر، ومالحة كبحر، كنت على بعد خطوة من حافة الوجع، وقبل أن أهوي وجدتها .. فإذا العمر واحة، وإذا الأحلام تفيض عن مساحة الأجفان ..»
حدث هذا يوم أطلقت قلمي فوق الورق، وبدأت أكتب، أنا أكتب للوطن، وللناس، ولغد أفضل.
سوسن رضوان: للإنسانية
وتقول الأديبة والروائية سوسن رضوان هذه الأسئلة نفسها تطرح نفسها كلما مررنا بمعارض الكتب، لماذا يكتب الأديب وما الهدف من كتاباته؟
وما إن نختار ما يناسب تفكيرنا وآراءنا حتى يصلنا الجواب سريعاً، فالأديب يعيش حالة وجودية يعبّر فيها عن ذاته ومشاعره التي تصلنا بإيمان كامل، والكتابة حالة تجعلنا نتقن التفكير الصحيح.
إن الكاتب الحقيقي هو الذي يجعلنا ننبش بين التفاصيل والخفايا للوصول إلى الحقيقة المنشودة التي هي السر البليغ، صحيح أن الكاتب يضع الجزء الأهم من ذاته فيما يكتب إلا أنه يحاول الاحتفاظ ببعضه دون أن يدري أن ما يسكبه بين دفتي كتاب هو مرآة صادقة تكشف ما يخفيه، فتجدنا أحياناً نعيد قراءة الكتاب أكثر من مرة، حيث تكشف لنا هذه المرايا حقائق ذواتنا نحن القراء أيضا، وكأن الكاتب يحمل منارة تضيء الطريق إلى نفوسنا.
إن بعض الكتّاب يكونون غير راضين عن كتاباتهم على الرغم من الكم الهائل للجوائز التي حصدوها، إلا أن نتائج التقدير تجعل بعضهم يرون ما يكتبون بعين المتلقي، فيعيدون قراءته بصوته أيضاً، وبهذه الحال يجد الكاتب نفسه شريكاً للقارىء بفكره ومشاعره ورؤيته للعمل، كذلك يجد نفسه شريكاً معه في استخدام الأدوات الإبداعية ومعارفه المكتسبة.
إن الأديب مهما كان بارعاً، فهو لا يكتب لنفسه ليبقى إرثاً على ورق، وإنما يبحث فيما يجعل من عمله سمة وجودية، وهذه الغاية لا تتحقق إلا بالتشاركية بين الكاتب والقارىء المثقف حصراً، الذي يقرأ بفكر واع وبصيرة متقدة، فيبحث بين السطور عن مواطن الجمال والإنسانية التي هي الهدف الأسمى للأديب.
هناك صنف من الأدباء يكتب ليدفن أفكاره وأمانيه بين ورقة وقلم لكن القارىء الحصيف هو الذي يستطيع التقاط تفاصيل التميز.
طهران صارم: تكوين رأي عام
وربما للشعراء نظرتهم الخاصة ورؤيتهم فيما يكتبون ولمن يتوجهون، أما الشاعرة طهران صارم فترى أن الكاتب يكتب بداية وقبل كلّ شيء لحاجة شخصية نابعة من ذاته، حيث تكون الكتابة هاجسا إبداعيا يتوق فيه الكاتب للتعبير عن مكنونات نفسه ومشاعره وتقديم رؤيته وفلسفته للحياة، لأن الكاتب يميل لاحتلال دور ريادي في مجتمعه، فإنه ينزع باتجاه نقل أفكاره للآخرين، وهكذا تتحول الكتابة من حاجة شخصية ذاتية إلى حاجة عامة تعكس حاجات مجتمعه وهمومه ورغباته.
ونرى المبدع في هذه المرحلة أكثر اهتماماً في صوغ أفكاره وفي استعمال أدواته الإبداعية ليتواصل مع الآخرين، ولا سيما جمهوره من القراء، فهو يهتم جداً بما يبدونه من تفاعل مع كتاباته، ويتحول الهم الشخصي لديه إلى همّ عام يلامس أفكار ومشاعر الآخرين، وهو بذلك يقدّم رؤيته الاستشرافية للمستقبل من موقع القائد، وهنا يبدأ الكاتب بأخذ دوره في تكوين رأي عام في المجتمع حول قضية أو مسألة أو فكرة ما.
وأنا أقول لا قيمة لأي عمل إبداعي إذا لم يلامس شيئاً عند الآخر.
سوزان الصعبي: طريقتي في ممارسة الحياة
أما الأديبة سوزان الصعبي فترى أن الكتابة تصير عند من يهواها كالهواء، يتنفس بها حريته من واقع مأزوم خانق، ويكتشف بها نفسه، يكتشف قدراته اللغوية والتخييلية، يكتشف نوراً لم يكن ليفوز به لولا الكلمة.
وتقول: في زمن مضى كنت أكتب كي أنقذ نفسي من حزن مقيم، معتقدة أن من يقرأ قصصي سينقذ نفسه أيضاً، أو لنقل سيجد في كلماتي متعة ونافذة ما، وأحببت عالم الكتابة والأدب، عشقت المكتبات وهدوءها وغناها ومشيت في بحرها الواسع العميق، وصادقت أشخاصاً يحملون أحلاماً تشبه أحلامي، فاتسعت الدائرة وازدادت متعة القراءة والكتابة وخاصة حين بدأنا ننشر في الصحف ونعتلي المنابر، كانت سعادتنا عظيمة بكلّ ذلك.
إذا كنت أكتب لنفسي ولجمهور حقيقي وآخر متخيل، جمهور صغير راهنت على أنه سيتسع قريباً حين تتاح لي الفرصة، وما زلت أكتب لنفسي أولاً ونصرة للقضايا الإنسانية، ثم جاءت الحرب وكتبت عنها وعن موتنا وبؤسنا، ظننت أنني بذلك أساهم في إطفائها، لكنني قبل كلّ شيء أكتب لأنها طريقتي في ممارسة الحياة.

العدد 1101 -28-6-2022

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة