الملحق الثقافي – د . أمينة الحمد :
الكتابة حضارة : لا بدّ أنّ الكتابة من أعظم مظاهر الحضارة ، إذ شكّل اختراع الكتابة منعطفًا كبيرًا في حياة الإنسان، ودخلت البشرية بعدها طورًا أكثر تحضّرًا ورقيًّا، فقد شعر الإنسان بحاجة ماسة إلى أداةِ تواصلٍ مع الآخرين مع تطوّر شكل المجتمعات البشريّة، وتزايد تعاملاتهم التجاريّة، وحاجتهم إلى نقل الأفكار والمشاعر والعلوم والفنون عبر الجيل الواحد والأجيال المتلاحقة، فحفظت الكتابة بذلك أرث الإنسان الفكريّ والحضاريّ وإنجازه العلمي.
الكتابة خلود: السعي إلى الخلود حاجة غريزية عند الإنسان وإن كانت مستحيلة، وفي رحلته الطويلة لاستكشاف كنه الموت وسرّه أيقن أنّه عاجز عن مواجهته وأعلن استسلامه أمام جبروته، لكنّه بحث عن وسائل أخرى تمكّنه من الخلود معنىً لا جسدًا فكانت الكتابة إحداها.
الكتابة حرّيّة : فالكتابة شكل من أشكال الثورة والتمرّد على ما هو قائم، لتستبدل به ما تراه أصلح منه، إنّها انقلاب ثوريّ تغييريّ يسعى لإزالة السلبيّات وإيجاد جديد آخر أفضل منها، وهو سعي دائم بدوام الحياة، متجددُ لا يتوقف عند حدًّ. ويكون هذا الدافع للكتابة أوضح وأشدّ التصاقًا بالكتابة النسويّة، إذ تأخذ الكتابة عند المرأة شكلًا ومعنىً آخر، فالكتابة عندها تعادل الفعلين «أكون» و»أتحرّر»، فالمتتبّع للكتابة النسويّة يجد أن لوثة الكتابة أصابت أكثر بطلات الكاتبات اللواتي سعينَ إلى الحرّيّة، فكانت الكتابة شكلًا من أشكال التمرّد والعصيان على قيم المجتمع الثابتة التي – ظلّت إلى وقتً قريب- تتحفّظ على توقيع المرأة كتاباتها باسمها، وكانت وسيلة فعّالة لحصولها على حرّيّتها، إنّها صرختها المتحضّرة لتقول للمجتمع: أنا هنا، أنا إنسان كامل، أنا حرّة.
تقول الكاتبة الكويتيّة «بثينة العيسى» في روايتها «كبرت ونسيت أن أنسى» على لسان بطلتها «فاطمة»: «بوسعك أن تحظي بحياتك كاملة، أن تكتبي»، وتقول في موضع آخر من الرواية ذاتها: «أريدني لي، أريد أن أكتب، أريد أن أكون أنا»، فقد كانت الكتابة نافذتها الحقيقيّة على العالم نافذتها إلى الوعي والحرّيّة وتحقيق ذاتها. فقد شكَّلت منفدًا لها إلى العالم لتُسمِعَه صوتَها، فكانت «الكتابة» معادلًا فكريًّا ونفسيًّا لوجود المرأة في مجتمعها ورمزًا لاستقلالها وإنسانيّتها.
العدد 1101 -28-6-2022