وسط الحرائق التي أشعلتها الولايات المتحدة على أكثر من جبهة دولية، يقف العالم اليوم على أعتاب “خطر نووي لا مثيل له منذ ذروة الحرب الباردة”، وفق تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال مؤتمر المراجعة العاشرة لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ليسارع الرئيس الأميركي جو بايدن للحديث عن استعداد بلاده للتفاوض مع روسيا بشأن إطار جديد للحد من الأسلحة، وهذا الحديث يلفه الكثير من الشكوك والريبة حول مصداقية الولايات المتحدة التي سقطت في أكثر من امتحان على الساحة الدولية.
هنا يبرز أكثر من سؤال مهم: من أوصل العالم إلى حافة الانفجار؟، وإذا كانت الولايات المتحدة حريصة بالفعل على إخلاء العالم من الأسلحة النووية كما ادعى بايدن، فلماذا انسحبت واشنطن من معاهدة حظر الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى قبل نحو ثلاث سنوات؟، وأطلقت بذلك العنان لسباق تسلح جديد وضع العالم في مأزق الخطر النووي، وكذلك ماذا عن السلاح النووي لدى بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني؟، حيث لم يأتِ بايدن على ذكره، ومخاطره على أمن واستقرار العالم.
عندما انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة حظر الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى، كان هدفها التخلص من القيود التي تمنعها من نشر مثل هذه الصواريخ على الأراضي الأوروبية لتشكل خطراً محدقاً بالاتحاد الروسي، ولكن في ظل تبدل الظروف والموازين الدولية لصالح روسيا وحلفائها، نجد واشنطن تحاول طرق الباب الروسي مجدداً لإيجاد حل يتعلق بالقضايا الاستراتيجية التي تمس أمن الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، وهذا في حد ذاته إقرار أميركي بأنه يستحيل على أميركا إيجاد حلول لقضايا استراتيجية من دون الرجوع إلى روسيا، التي تدعي واشنطن بأنها باتت معزولة على الساحة الدولية.
الرئيس الروسي أكد أن بلاده التزمت بنص وروح معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وأوفت بكل التزاماتها بموجب الاتفاقات الثنائية مع الولايات المتحدة بشأن تخفيض الأسلحة ذات الصلة والحد منها، ولكن هل التزمت الولايات المتحدة بنص تلك المعاهدة؟، ربما تأكيد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأن الولايات المتحدة ستدرس إمكانية استخدام السلاح النووي فقط في ما سمّاها “الحالات الاستثنائية لغرض حماية المصالح الحيوية للولايات المتحدة وحلفائها” يجيب عن هذا السؤال، ويعطي مدلولاً واضحاً على أن الخيار النووي لم يبارح الطاولة الأميركية منذ جريمة قصف هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين عام 1945.
الحد من الانتشار النووي وصولاً إلى إخلاء العالم من الأسلحة النووية، أمر يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، وهذه الإرادة لا تملكها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، وكذلك فإن إرساء قواعد الأمن والاستقرار الاستراتيجي في العالم يتطلب تخلي الغرب عن سياسة المعايير المزدوجة، وعن أطماعه التوسعية، وانتهاج أسلوب الحوار والدبلوماسية، بدلاً من سياسة التصعيد العشوائي، وإشعال الحروب لتكريس نهج الهيمنة والتسلط.