لا يعتبر إطلاق الشائعات ظاهرة جديدة، فقد كان لكل زمان ومكان أكاذيب مختلفة تحكي قصصاً محبوكة بطرق تتماشى مع مصالح مُطلقيها وأهدافهم، وعلى الأغلب كان التوجه للحصول على مكانة معينة أو سلطة أو للنيل من شخص معين، لكنها لم تكن تأخذ أصداء بعيدة المدى، وبنفس الوقت، كان هناك صعوبة للتحقق منها.
ما يختلف اليوم أن لهذه الأكاذيب أصبح منصات واسعة، تتسع مساحاتها كلما اتسعت البرامج الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، هذه التي بدأ ظهورها مع ظهور الإنترنت وأصبحت تأخذ أشكالاً وألواناً وتقدم بالصوت والصورة, ولو أغمضنا الأعين عن الشائعات الكاذبة التي تطلق بخصوص الأمور المعيشية والتي تتعلق بأحوال الناس اليومية، وكيف يتم الترويج لها كمن يرمي عود ثقاب في كومة قش لتحول الشائعة فيما بعد الى حقيقة تُفرض من قبل أصحاب المصلحة القابعين في بروجهم العاجية، منها ما يتعلق برفع الأسعار واختفاء السلع من الأسواق بحجج كاذبة وأهداف تجارية ومنها ما يتعلق بالترويج لبضائع كاسدة ومنها الكذب في المعلومات التي تخص مادة علمية معينة، ومنها ما يتلاعب في إسناد الحقائق ووو الخ.
إن الانتشار الواسع للمعلومات الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي أصبح خطراً كبيراً يؤثر ضمنياً في الرأي العام، ويهدد التنمية الاجتماعية والاقتصادية لمختلف شرائح المجتمع. فأي خبر مهما كان بسيطاً ينتشر بسرعة كبيرة، ومهما كانت المبررات اللاحقة لإلغائه أو إثبات عدم صحته تأتي باهتة وغير مقنعة للكثيرين. وللأسف هناك جدل عقيم يدور على منصات العالم الافتراضي على خلفية كذبة صغيرة أطلقها أحد المغرضين. حتى لا نذهب بعيداً في موضوع الكذب فقد يكون هناك شريحة من الأشخاص الذين يقدمون معلومات خاطئة غير مقصودة نتيجة لتضليل ما، أو عدم دراية كاملة بالموضوع، فيقدمون وجهات نظرهم الشخصية على أنها قناعات. ولكن بالمقابل هناك أخبار تُختلق سعياً وراء الأموال كبعض الأخبار الكاذبة التي تطلق على الفنانين، أو الإعلانات التافهة لسلعة ما، وهناك الخلط بين الأخبار والدعاية التي تتبناها مواقع معروفة، ما يدفع الناس لتصديقها ومشاركتها. الأمر الذي يسهم في مساعدة أصحاب هذه المواقع على جني المال من وراء أكاذيب يقودها أصحاب منصات يعرفون كيف يؤثرون في الجمهور.
أما أخطر الأكاذيب الإلكترونية تلك التي تستهدف شريحة الشباب بدءاً من مرحلة المراهقة الأولى، وما تخلقه لديهم من تضليل وقناعات مشبوهة بطرق متعمدة لخدمة سياسات أو توجهات معينة، أو الترويج لقيم بعيدة عن مجتمعنا، أو الإساءة إلى الرموز والهامات التاريخية وتوجيههم لعدم احترام ما يصنعه المبدعون سواء في الماضي أو الحاضر, للأسف هناك موجة لتسخيف كل شيء يتعلق بالقيم أو الأخلاق أو الانتماء، هناك تذمر دائم أصبحنا نلحظه أينما توجهنا لدى جيل الشباب، هناك اتكالية سببها الرفاهية الافتراضية التي تخلقها أكاذيب الإنترنت, وخصوصاً بعد أن صارت وسائل التواصل الاجتماعي مصدراً رئيساً للأخبار بالنسبة إلى ثلثي السكان في أي منطقة كانت. فأين سيكون الحل؟.