يبادرني الكثيرون من جلسائي بسؤال يتكرر على كلّ لسان، ولا تكاد جلسة أو لقاء أو محادثة تخلو من طرحه، فماذا ينتظرنا من مستقبل ؟ وأي شكلٍ ستكون عليه الأيام القادمة ؟ وهل ستكون الأيام القادمة أفضل ؟ وهل سنتجاوز حالة الاحتياج والنقص وارتفاع الأسعار ؟ وفي النهاية كيف نستطيع الاستمرار في ظروف حياة مقبولة ومستقرة ؟
أسئلة متعددة تعكس حالة القلق التي يعيشها الناس بمختلف فئاتهم ومستويات وضعهم الاجتماعي والاقتصادي والمالي وحتى العمري ، فمن الصغير وحتى الكبير يبدون هذا القلق الذي لا يفارقهم صباح مساء.
ولطالما توقفت متردداً أمام تقديم إجابة مقنعة وفق رؤيتي وموقفي واعتقادي المستند إلى معطيات كثيرة ثابتة ومعرفة ومتابعة ، فضلاً عن الانتماء الخالص لعقيدة وطنية ، منفتحة وناقدة لكنّها لا تحيد عن مبادئها الأساسية.
ويضيف البعض باستغراب ، وربما تندر أحياناً ، كيف لي ولأمثالي النظر للمستقبل بكثير من الثقة؟ وكيف أمتلك هذا القدر من التفاؤل في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها كل فرد في سورية ، وفي ظلّ حالة الاحتراب والحصار والعقوبات واستمرار العدوان والتهديدات التي لا تتوقف؟
وفي الإجابة فإن الأمر لا يتوقف على الأمنيات وأحلام اليقظة ، ولا على عامل إيجابي سريع يكون مقدّمة لتحسين الوضع المعاشي أو يمثل انتصاراً عسكرياً أو سياسياً في ظرف ما، فالقضية أبعد وأكبر من مجرد حالة يتم الحديث عنها ، والأمر يتعلق بوطن يتعرض لأبشع وأقذر أشكال العدوان ويعيش أقسى ظروف عاشها مجتمع في تاريخ البشرية.
وعندما نبدي تفاؤلاً مؤكداً ، فإنما القاعدة ثابتة ومتينة تنطلق من معرفة لا تغيب أبداً بجميع حالات الضعف والفساد ونقص الموارد والمواد البترولية وحوامل الطاقة والكهرباء ، إضافةً إلى تراجع القدرة الشرائية وصعوبة الانتقال وكثرة معوقات الإنتاج وهجرة الكثيرين من ذوي الاختصاصات والكفاءات العلمية العالية ، وكل هذا في ظل ظروف الضغط والحصار والتهديدات الخارجية المستمرة دون توقف .
صحيح أن الحديث يطول عن حالات فساد وترهل إداري في مؤسسات الدولة ، وعن حالات عدم التزام بعض العاملين بوظائفهم ، ولكن ثمة عمال آخرون ما زالوا يواظبون على دوامهم ملتزمين بواجباتهم كاملة غير آبهين بحجم الراتب الشهري ولا المردود المادي الضئيل الذي يتقاضونه ، لأنهم يدركون تماماً واقع الحال ويؤمنون بأن واجبهم يحتم عليهم العمل بشرف بعيداً عن كل المظاهر السلبية المحيطة ، وكذلك الأمر بالحديث عن وجود فاسدين وحالات فساد في المؤسسات ذاتها ، وبالمقابل هناك الشرفاء الحريصون على متابعة الفاسدين والتصدي لهم وكشفهم ومحاكمتهم ، لهذا رأينا استمرار جميع مفاصل الدولة بالعمل والإنتاج في ظلّ أقسى الظروف الصعبة التي عاشتها سورية ، فما لنا نرى الفاسد والمهزوم والمتحايل ولا ننظر لتلك الفئة الكبيرة القابضة على جمر الوطن وهي ترى تجار الأزمة وحيتان المتاجرة السوداء يعيشون حياة الترف والبذخ ويزدادون ثراءً ، فيزداد الشرفاء تمسكاً بانتمائهم وهدفهم لأنهم يدركون أن هذه الأرض لهم وحمايتها من واجبهم وهم دفعوا ويدفعون ضريبة الدم الطاهر استشهاداً ونضالاً وعطاءً لا يتوقف ، وما أولئك المتاجرون بالأزمة إلا طارئون في المشهد الوطني.
العاملون المقاتلون القادمون من رحم الأرض وطهر أمهاتهم يمضون إلى هدفهم مستعيدين حياة آبائهم وأجدادهم الذين قهروا قوى البغي كلها ، مؤمنين بحقّهم الأزلي بأرضهم خالية من أدنى مظهر من مظاهر العدوان ، ليستعيدوا مجدهم ويقيموا أفراحهم كما كانت تتكرر حالها دوماً .