الثورة – هفاف ميهوب:
من أبشع الجرائم التي ارتُكبت على مرّ التاريخ، بحقّ الفكر والإنسانية، إعدام الكتب حرقاً في الساحات العامة، وعلى مرأى مجتمعاتٍ أريد لها أن تبقى غارقة في جهلها وظلامها، ومن قِبل أعداء العقل والنور.. الجاهلون، الحاقدون، المتعصّبون.. أيضاً، الاستعمار الذي كان أكثر من قام بإعدام الفكر علناً، ولخشيته من أن تهزمه الكلمات المضيئة، وتهب المجد والسلطة للمعارف العقلية التنويرية..
كثيرة هذه الجرائم، و أوّل من ارتكبها بحقّ الكتب العربية في الأندلس، الكاردينال “خيمنز” الذي فُتحت له أبواب ملكين، هما من أسقط عرش غرناطة، وأخرجا آخر ملك عربي فيها.. “فرديناندو وإيزابيلا” اللذان سمحا له بالتمادي، وعدم الاكتفاء بإظهار عبقريته في ابتكار محاكم التفتيش فقط، بل وفي ابتكار خطط إجرامية كان أبشعها، جمع الكتب العربية من أهم مراكز الفكر العربي وأكثرها إنتاجاً.. “الأندلس” التي ارتكب بحقّها أفظع جريمة فكرية، وذلك عندما قام بإشعال النيران في تلك الكتب، معتقداً بفعلته الشنيعة هذه، أنه قضى على كلّ أثرٍ للثقافة العربية في إسبانيا…
كثرٌ غير “خيمنز” قاموا بهكذا جرائم… وكثرٌ اعتبروا أنفسهم أوصياء على العقل وكنوزه، وكلّهم تمادوا في عمليات إعدام الفكر التي كان أشدّها همجية، تلك التي ترافقت مع إعدام الإنسان، وعلى يد “هولاكو” الذي قام وبعد أن أغرق بغداد ببحرٍ من الدماء، بإيقاد حقده وانتقامه بشكل جعله يحرق ويغرق حتى مكتبتها، وهو الإجرام الذي ورّثه لأجيالٍ من الحمقى والحاقدين، ممن لم يكن آخرهم “جورج بوش” الذي لا يمكن أن ننسى فظاعة ما ارتكبه بحقّ العراق وإنسانها ومكتباتها…
نعم..”خيمنز” و”هولاكو” و”بوش” وغيرهم كُثر، سعوا إلى إعدام الفكر العربي بطريقةٍ شهدناها تتوالى، مع توالي همجية وأحقاد المتعصبين والرعاع ورجال الدين والظلاميين، ممن لم يكتفوا وعلى مدى ما أسموه ثورات لم تكن إلا شيطانية… لم يكتفوا بإعدام الفكر وصاحبه لطالما طالت جرائمهم حتى التراث والآثار والفنون، بل وقبور ومدن ونصبُ ومتاحف ولوحات، شخصيات إبداعية، علمية، فلسفية.