الثورة:
يستكمل الدكتور جهاد نعيسة رؤاه النقدية المهمة التي بدأها في قراءاته النقدية الخلافية في السرد الروائي, وكان كتابه هذا قد صدر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق, وفيه يؤسس لرؤى نقدية مهمة تقوم كما يقول.
فقد لا يكون خيار البحث عن نقاط السلب في تجارب روائية نقدرها ونقدر أصحابها كل التقدير خياراً سهلاً، ولا سيما ونحن ندرك –سلفاً- حجم الحساسيات العامة والخاصة التي يمكن أن يثيرها، في شرط سائد تعوَّد فيه مبدعونا أن يستمعوا إلى تصفيق الاستحسان، لا إلى ملاحظات تلفت الأنظار إلى المثالب أو الهِنات. غير أنه الخيار المشفوع لدينا دائماً بهاجس البحث عن الحقيقة في كل زمان ومكان، مهما تطلب هذا البحث، ومهما كانت نتائج الخوض فيه. ولعله يكون ضرورياً عند هذه النقطة بالذات أن نتوقف قليلاً لإزالة بعض اللبس عن مسوغات موضوعنا. وتوجهه الشاغل، فننوه بما يلي:
1- ليس الخطاب النقدي –في حدود علمنا وتقديرنا- خوضاً في إيجابيات موضوعه فحسب، بل هو خوض في إيجابياته وسلبياته معاً، واقتصار هذا الخطاب على أحد هذين الوجهين يجعله خطاباً مبتوراً أو ناقصاً، وبالقدر نفسه يجعل الفائدة المرجوة منه مبتورة أو ناقصة.
2- إن اختصاص بحثنا بمواقع السلب في غالبية التجارب موضوع البحث، لا يعني تنكراً لمواقع الإيجاب فيها، وهي كثيرة بالتأكيد؛ أي لا يعني إحلالاً لأحادية المنظور السلبي محل أحادية المنظور الإيجابي في مقاربة هذه الأعمال، بل يعني –ببساطة شديدة- محاولة سد فراغ حاصل في مقاربات تجارب كثر الخوض في إيجابياتها، وغاب أو ندر الخوض في سلبياتها.
3- دفع المشكلات إلى بدايات الرواية العربية وتجاربها المبكرة، ومع الإقرار بكثرة مشكلات هذه البدايات والتجارب، يبدو –عموماً- اختزالاً متعسفاً للقضية، يُعنى بما هو بدهي وشائع، ويهمل ما يتطلب جهداً واجتهاداً، وصراحة غالباً.
4- يرتبط الشغل النقدي أحياناً ملحوظة بقدر من المحاباة التي تغض النظر عن المآخذ، وتتجه بحماسة إلى إيجابيات من تحابي؛ إننا إذ نميز في هذا المعرض البحثي بين المحاباة والحب. فإننا ننوه في الوقت نفسه، بأنه إذا كان للمحاباة ما يسوغ غض النظر عن مآخذ من تحابي، فللحب دائماً –حرصه على الوقوف على مآثر المحبوب ومآخذه في آن معاً؛ ذلك أن الحب الحقيقي لا يمكن أن ينهض إلا على عمادٍ صلب قوامه المعرفة الدقيقة بخصائص المحبوب..
من مواقع الحب الشديد لا المحاباة.
ومن مواقع الحرص الشديد، والتطلع الدائم إلى آفاق أكثر اتساعاً، وأبعد مدىً للرواية العربية ومبدعيها.
ومن مواقع مكابدة المبضع وهو يخوض في جسد من يحب، مضى البحث في دربه الخلافي –الإشكالي، كي يسهم في إكمال صورة محبوبة، وهي صورة سيبقى اكتمالها رهناً باستمرار الحوار في كل ما لها وما عليها؛ فليس لأحد، مبدعاً كان أو ناقداً، وفي أي موقع كان حق ادعاء المعرفة الكاملة، ناهيك عن الحق بادعاء احتكار هذه المعرفة.
عن الرواية والقصة
وكما أسلفنا يستكمل المشروع بكتاب مهم صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان: في الرواية والقصة القصيرة.
يرى الباحث أنه على الرغم من التباس الرواية التاريخية بالتاريخ، واستيعابها كثيراً من نصوصه وقضاياه وشخصياته وأحداثه، وتمثُّلها في “وحدتها الأسلوبية العليا”، فإنها تبقى خلقاً فنياً أولاً، خلقاً فنياً يرتاد قضايا تاريخية، لكنه ليس تاريخاً، ومن ثم فهي عمل محكوم بمرجعيات الخلق الفني وقيمه، على الرغم من رسالتها/رسائلها التاريخية، أو الأخلاقية النبيلة، أو ما شابه؛ ذلك أن نبل الرسالة في الفن لا يمتلك قيمته أو معناه إلا عبر اللغة الفنية التي يتجلى فيها بناءً وأدواتٍ وخصائص. يقف في الكتاب عند قراءات مهمة في تجارب قصصية مهمة وكذلك روائية شكلت محطات في الحياة الإبداعية السورية نذكر منها: ممدوح عدوان –نجلاء أحمد علي – هدى بركات – محمد أبو معتوق – حسن حميد ملك حاج عبيد – شوقي بغدادي.