الملحق الثقافي- محمد قاسم الخليل:
يسرني أن أعود للكتابة في صحيفة الثورة القريبة إلى القلب، فهي أول صحيفة سورية نشرت كتاباتي في عام 1974 ثم غدوت محرراً صحفياً في عام 1979 وبقيت عاملاً فيها حتى إحالتي على التقاعد في منتصف عام 2010.
وعند زيارتي لسورية الجميلة، كان الزملاء يدعونني للكتابة، وعلى الأقل من الذكريات.
والآن وقد عدت، أحببت أن تكون العودة للكتابة عن قامة ثقافية عربية فقدناها أواخر الشهر الماضي تشرين الأول وهو الكاتب والمخرج فيصل الياسري.
أحببت أن أتحدث عن هذا العملاق الذي اقترب من التسعين لأن الإعلام العربي كتب عنه كثيراً، لكن الذين كتبوا لم يعطوا أعماله في سورية حقها، وإنما مرت بشكل عناوين عن الحديث عن أفلامه وبرامجه ومسلسلاته.
أستطيع القول إن إنطلاق فيصل الياسري عربياً كان كمن سورية. التي عمل فيها نحو عشر سنوات منذ عام 1965 وحتى عام 1976، واحتل في التلفزيون السوري موقعاً إدارياً رفيعاً، حيث كان مديراً للتلفزيون السوري وأخرج مسلسلات وأفلاماً سينمائية أشهرها مسلسل(حمام الهنا) 1968 والفليم السينمائي (الرجل) عام 1970.
كان الياسري جديراً بالعمل في الإدارة، فهو أول عربي درس السينما والتلفزيون دراسة أكاديمية، وحصل على مؤهل علمي في عام 1958 في الجامعات النمساوية.
وعمل بعد تخرجه فترة في تلفزيون بغداد لكن الاضطرابات السياسية آنذاك جعلته يشد الرحال للعمل في ألمانيا الشرقية – عمل بين عامي 1959-1962 في التلفزيون الألماني وبعدها أتى إلى سورية وعمل في التلفزيون السوري في عام 1965 وأسهم بشكل وافر في الدراما والبرامج الثقافية.
وهناك حكاية طريفة رواها الياسري عن استضافة التلفزيون السوري لعبد الحليم حافظ في عام 1968 وكان الياسري مديراً له في ذلك العام.
جاء عبد الحليم ليحي بعض الحفلات دعماً للمجهود الحربي في دعم الجيش المصري وإعادة ما دمره الاحتلال الإسرائيلي.
ورأى الياسري أن يذهب شخصياً لاصطحاب عبد الحليم من فندق سمير أميس إلى مبنى التلفزيون وهناك لاحظ الياسري الألوف المؤلفة يحتشدون أمام باب الفندق بعد أن علموا بوجود عبد الحليم وناقش الياسري مدير الفندق لكيفية خروج عبد الحليم من الفندق دون أن يصاب بأذى بسبب تدفق وتدافع الناس، وانتبه عبد الحليم إلى النقاش فقال له: ( أيه الحكاية يافيصل)؟ فشرح له فيصل الياسري الموقف، واقترح أن يخرج من باب جانبي وهو ماوافق عليه مدير الفندق، فقال عبد الحليم: هؤلاء جاؤوا لمشاهدتي لأنهم يحبونني ولذلك سأخرج إليهم وأحييهم، وخرج عبد الحليم وحيا الناس الذين صفقوا وهتفوا ومر الأمر بسلام.
في عام 1968 أخرج فيصل الياسري مسلسل( حمام الهنا) المعقودة بطولته لدريد لحام ونهاد قلعي والمؤلف من 13 حلقة وكل المسلسلات آنذاك كانت تصور بهذا العدد لتعرض أسبوعياً على مدى دوره تلفزيونية (ثلاثة أشهر) ووجد المسلسل صدى كبيراً بين المشاهدين حتى كانت شوارع المدينة تفرغ من المارة.
سينما الياسري:
عندما يذكرون أفلام الياسري في الصحافة العربية، لا يذكرون أول أفلامه الروائية الطويلة أقصد فيلم(الرجل) الذي كان من إنتاج التلفزيون السوري عام 1970 وصور بكاميرا سينمائية، وقد أسند بطولته إلى كبير الممثلين السوريين تيسير السعدي.
وهو يتحدث عن مناضل عربي ضد الاستعمار الفرنسي أنزوى بعد الاستقلال في قرية سورية، ويحكي الفليم عن محاولة البث عنه، وقد عرض الفليم في مهرجان دمشق لسينما الشباب عام 1972 ونال ثلاث جوائز في المهرجانات العربية.
وبعد التلفزيون استمر عمل الياسري مع المؤسسات الحكومية السورية، فأخرج عدة أفلام من إنتاج المؤسسة العامة للسينما،أولها (نحن بخير) جاء في نشرات مؤسسة السينما:”يصور الفيلم الوضع السيىء للفلسطينيين تحت الاحتلال في الوقت الذي يقولون فيه من خلال راديو الاحتلال (نحن بخير) ونال الفيلم جوائز متقدمة في المهرجانات العربية والدولية، فنال الجائزة الفضية في مهرجان لايبزغ الألماني عام 1970، وذهبية مهرجان أفلام فلسطين في بغداد عام 1973 وذهبية مهرجان دمشق الأول لسينما الشباب عام 1972.” واستمر تعاون الياسري مع مؤسسة السينما فأخرج عدة أفلام بعد حرب تشرين التحريرية وهي من النوع الوثائقي:
ــ فيلم أهداف استراتيجية عام1973
يصور البيوت والأحياء المدنية التي قصفتها الطائرات الإسرائيلية، وادعى الإعلام الإسرائيلي أنها أهداف استراتيجية
-فيلم لعب أطفالنا الجديدة 1973
يصور كيف تحطمت إسطورة الطيران الإسرائيلي على يد القوات السورية، وأصبح حطامها لعبا للأطفال.
أفلام الشركات السورية
يذكر المتابعون لأعمال الياسري عشرة أفلام روائية طويلة نصفها أنتج في سورية، وإذا أضفنا فيلم( الرجل) يكون في تاريخه 11 فيلماً منها ستة أفلام سورية والأفلام الخمسة التي أنتجتها الشركات السورية الخاصة هي:
حب وكاراتية 1973
هاوي مشاكل 1974
عودة حميدو 1974
جزيرة النساء 1975
عشاق على الطريق 1977
كما كتب سيناريو فيلمي(مقلب من المكسيك 1972 والزواج على الطريقة المحلية 1978).
ومن تعاونه مع المؤسسات أذكر عمله في مسرحية لفرقة المسرح الجامعي في جامعة دمشق وكان مساعده فيها الزميل لؤي عيادة، وقد تم عرض كامل لها(جنرال) ولظروف خاصة لم تعرض المسرحية عرضاً جماهرياً.
أذكر أخيراً أن علاقتي الشخصية مع فيصل الياسري لم تكن ودية بسبب أفلامه التي أخرجها للقطاع الخاص. وقد كتب بشكل مستفز عن فيلمه الأخير في سورية (عشاق على الطريق) وقد عرض في مهرجان دمشق الثالث(1983) ويبدو أنه كان بانتظاري في فندق الشام عندما دلفت إلى البهو فكان الياسري يقف مع بعض شباب المسرح الجامعي وناداني أحدهم، ولم أكد أسلم عليهم حتى هاج الياسري وماج، وحاول أن يضربني، فقام بالوقوف في وجهه صحفي كويتي كان يكتب في جريدة السياسة باسم (العبد لله) وهو ما أتاح لي الخروج سالماً من المأزق.
ولكن لايسعني إلا أن أقول رحم الله الياسري فقد كان قامة ثقافية حقيقية، وأتمنى لو لم تكن في تاريخه الأفلام الخمسة التي أخرجها للشركات السورية الخاصة.
العدد 1121 – 22-11-2022