عثراتُ الحبرِ الأول

الملحق الثقافي- رنا بدري سلوم:

لا قلمَ أملكه، ولا ورقة بيضاءَ في يدي، ضجيج الأمكنة تمنعُ خواطر الأفكار من التدفّق، ومع هذا تأتأت أبجديتي الأولى محاولة التعبير عن قلقي وإظهار المارد الذي يمتلكني، ملِكةٌ أو ماردٌ لا فرق، المهم أن أستحضر سبب بؤسي لأزف حروفي تارة فرحاً وأنزفها تارة دمعاً، وبكلا الحالين أحتفي بميلاد بنات أفكاري الأليم، هكذا كانت مشاعري حين كنت تلميذة في الصف الرابع الابتدائي، حين انجذبت لفكرِ الكاتب «ميخائيل نعيّمة» عندما كانت قصائده في تلك المرحلة تُدرس في منهاجنا الدراسية في لبنان، وكيف أنسى نصفي المتجذّر هناك شهقتي الأولى ودرسي الأولْ وحبري الأولْ؟ نعيّمة أحد أهم شعراء المهجر وأذكر من رسائله التي حفظتها عن ظهر حبّ آنذاك « يا ابن آدم! تاريخك لم يُكتَب بعد، وهو لن يُكتَب حتى تكون لك المعرفةُ الكاملة، والمعرفة الكاملة هي معرفة ما كان، وما هو كائن، وما سيكون من أمرك مع الحياة، أُمِّك، ومع نفسك، ومع كلِّ منظور وغير منظور في الفضاء. وقبل أن تكون لك تلك المعرفة فتاريخك حكاياتُ عجائز، وثرثراتُ أطفال، ودبيبُ نمل في الرمال.»
شدّني هذا النوع من الكتابة مزيج فلسفيّ فكريّ شعريّ، قرأت وتعلمت وعرفت و ما زلت أحبو على غيمِ الشعر حتى تشكلتُ معه فتساقطت قطراتَ غيثٍ وحبر، فكتبت بجنونِ أنثى وثرثراتِ امرأة، حاولت جاهدة أن أتحدث بتاء التأنيث، ونون النسوة، «جندرّت» عواطفي حدّ الوجع، كتبت عن الوحدة والغربة واليأس والفشل والانعتاق والتصوّف، جسدّت نصوصاً لم أكن يوماً أتخيل نفسي أن أجلدها وأنقدها بل واستحي بها، لا لشيء بل لأنها تفضح الطفلة الشقيّة التي تعيش بين ضلوعي، جمعتها منذ أن كنت طفلة حتى نضج ما في الوعاء .. فنضح، فشهدتُ طباعة ديواني الأول «ملامح جسدٍ منسية»، لشاعرة كانت كخيل جموح تقودها عواطف جيّاشة فلا تتردّد من تسمية الأشياء بمسمياتها، عاتبتُ نفسي لماذا اعترفت .. وواجهت .. وقررت، كان عليَّ أن أكون أكثر قسوة ورمزية ومواربة، كي أبقى شاعرة محصّنة من كلمة «لو»…
أتذكرون مقولة غوركي «إنما تُغسل الروح بدموع الصمت، لأن الكلام ضربٌ من العبث، المرء يتكلم كي لا يقول شيئاً، لن يتفوه المرء بما يبكي روحه» لكن عند الشاعر تُقلب المعادلة إلى حد ما، فهو يكتب كي يبكي ويسمع من حوله أنين القلب ودهشة الفرح، هكذا علّمني القدر حين كنت حبيسة الأوراق والكتب، أدركت حقيقة الشاعر وكيف لابد له أن ينادي اللغة، لتُقبلُ إليهِ طواعية، تنمو معه ونتصهر، تغور في خياله الشاهق، ليعيشان معاً مساحات التحوّل في سدرة المعنى، يحلّقان، يتجليّان لربتي شعرٍاً وحباً، فيرسمان معراجاً لهما، لا تتبعه إلا أرواح توّاقة للكمال، هكذا هو الشاعر الحقيقي ابنهما البار ولعلي أكون هذه الأبنة، تدرك بسموها حقائق الحياة، فتعيش فلسفتها الشعريّة بصمتٍ تتأمل بقلبه، تبوحُ ببناتِ أفكارها بلغةٍ شعريّة بليغةٍ، وتحلّق بأجنحةِ مداها، لتقول بضياء ِقصائدهِا للصبح كن فيكون، ولليل انجلي، أليس سراجاً وهّاجاً؟ وعليه أن يبهرُ القرّاء الذين تتبعوا لغته الشعريّة الكامنة؟، فهم يتتبعون من يشبه ذواتهم فيعبّر عنهم ويحكي عنهم بل ويبكي عنهم، لا يغرق في غموض الأشياء ولا يعمد في المباشرة وفضح تفاصيلها، ليطلق إرهاصاته، على مشاهداتٍ حياتية تشبهنا، فيلوّنها بحبره الشعري الذي اختار دون تكلفٍ، بل ببساطة يرسمها على وجه بحرهِ المتصوّف فإذ به يعودُ بنبوءةٍ نورانيّة، هكذا أرى الشعر وأصف الشاعر ولعلي أكون من هؤلاء الشعراء الذين يصنعون قوتاً للروح العطشى للجمال والحياة والحبّ.

العدد 1121 – 22-11-2022

آخر الأخبار
سوريا تشارك في "القمة العالمية للصناعة" بالرياض  حفرة غامضة في درعا تشعل شائعات الذهب.. مديرية الآثار تحسم الجدل وتوضّح الحقيقة داء السكر .. في محاضرة توعوية  استراتيجية المركزي 2026–2030.. بناء قطاع مالي أكثر توازناً وفاعلية سوريا ولبنان.. من الوصاية والهيمنة إلى التنسيق والندية انتشار أمني واجتماع طارئ.. إجراءات في حمص لاحتواء التوترات بعد جريمة زيدل سوريا الجديدة في مرآة الهواجس الأمنية الإسرائيلية من أماكن مغلقة إلى مؤسسات إصلاحية.. معاهد الأحداث تعود إلى الخدمة برؤية جديدة الطاقة الشمسية خارج الرقابة.. الجودة غير مضمونة والأسعار متفاوتة خريطة الترميم المدرسي في سوريا.. 908 مدارس جاهزة وألف أخرى قيد الإنجاز دمشق تستضيف اجتماع لجنة النقل في "الإسكوا" لأول مرة منذ أكثر من 15 عاماً سوق السيولة.. خطوة تدعم الاستقرار النقدي وزارة التربية تحدد مواعيد التسجيل لامتحانات الشهادات العامة لدورة 2026 عودة اللاجئين.. استراتيجية حكومية تعيد بناء الثقة مع الدولة سوريا والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية... مسار لا رجعة عنه إعادة تفعيل البعثة السورية لدى منظمة حظر الأسلحة..السفير كتوب لـ"الثورة": دمشق تستعيد زمام المبادرة ... رئيس الأركان الفرنسي يؤكد ضرورة الاستعداد للحرب لبنان وسوريا يتجهان نحو تعاون قضائي مشترك تفعيل البعثة الدائمة.. كيف تطوي سوريا صفحة "الرعب" ومحاسبة مجرمي "الكيميائي"؟ الأردن يعزز التنسيق مع سوريا لمواجهة تحديات إقليمية