حين تتوحد القلوب

يمر على كوكب الأرض طقس يمارس كل أربع سنوات، إنه الأولمبياد العالمي لكرة القدم، تلك الكرة الفارغة إلا من الهواء الذي يجعلها قاسية بالقدر المطلوب.. تهفو إليها قلوب الكثيرين من هواة رياضة كرة القدم ومحترفيها، من خلال الأندية أو التعلق بلاعب مميز يثير لعبه محبيه.

القرعة في كل أولمبياد تنبئ عن المستضيف لكأس العالم في الموسم التالي.. سلسلة طويلة من المباريات والتصفيات لتصل الفرق المؤهلة إلى النهائيات وفق مجموعاتٍ وصولاً إلى ما يدعى بالمربع الذهبي..التميز عام 2022 أنه على أرض عربية ( قطر ) ومشاركة 4 فرق عربية..

انتقد الكثيرون فيما صرف عليه من أموال لبناء الملاعب، وأماكن الضيافة واستقطاب الضيوف الرسميين، والجماهير التي وفدت من أصقاع الأرض، ناهيك عن موقف قطر من الحرب على سورية وليبيا، والإخوان المسلمين وداعش.. ملاحظات وإشارات استفهام كثيرة؟؟ تناولت الافتتاح.

بعيداً عن كل هذا وما روج من خلاله لفلسطين والإسلام.. وصول فرق تونس والسعودية وقطر الدولة المضيفة، والمغرب.. كان مصدر فخر للعرب جميعاً.. التفت القلوب حولها وصار الفريق المغربي الذي استمر بفوزه على من يقابله في ميدان الملاعب؛ نجماً عربياً لحلم عربي تحقق..

وحَّدَ أسود الأطلسي كما أسمتهم القلوب التواقة للفرح الذي غاب عنها سنين، الصف العربي في التشجيع والهتاف والمتابعة.. حتى وصولهم لما يدعى بالمربع الذهبي، الفرق الأربعة للنهائيات.. لأول مرة بعد حرب تشرين ضد الصهاينة المحتلين لفلسطين والجولان أشعر بأن الأمة واحدة.

ذكرتني وحدة الحناجر في الملاعب والشارع العربي، بأيام عشناها في حرب تشرين حين ترسخ فينا مفهوم الأمة العربية الواحدة.. والكتيبة المغربية التي شاركت على الجبهة السورية واستشهد أبطالها فاختلطت الدماء بالدماء على الأرض الشامية الطاهرة، كما يدعوها المغاربة الأشقاء.

تذكرتُ ذاك الشاب الذي شارك بمؤتمر الشباب في سورية، والذي سأل كيف له أن يزور قبر والده الشهيد، فقد كان جنيناً في رحم أمه، حين استشهد والده في تشرين الكرامة، كان مزهواً بعنفوان المنتصر وهو يقرأ الفاتحة على مثوى أبيه، كان موقفاً مؤثراً، عَصِّيٌ محوه من الذاكرة..

كم راهن الغرب وأعداء الأمة على تفكيكها، بحجة الحروب الأهلية والطائفية والعرقية، وكم راهنت فرنسا بالذات على تغيير خططها للعودة إلى القارة السمراء، لتستعيد أمجادها فيها، بدلالة فريقها الأسود الذي ليس من أوربيته إلا جواز السفر وماكرون مناطحاً المغاربة لينال كأس العالم.

كثرت اللقاءات مع الكثير من الفرنسيين ذوي الرأي، المصرّين على نيل كأس العالم، وأنه لن يكون لأميركا اللاتينية ولا يمكن للعرب أن ينالوه.. فبعد أن صار أوروبياً لا يمكن التنازل عنه وكأنه عهدة مرهونة بهم.. ولابد أن يظل أوروبياً.. أميركا اللاتينية والدول العربية عالم ثالث..

نزعة الاصطفاء الاستعمارية متأصلة فيهم.. استبسل أسود الأطلسي وكانوا فخر العرب جميعاً.. هتفت لهم الحناجر موحدة مالم تستطع السياسة فعله.. كانت الكلمة واحدة؛ كتبوا التاريخ الصحيح في زمن الانهيارات.. ألفوا القلوب التي تربعوا فيها، رغم كل ما غاب عن عيون حكام الملاعب..

كم كان المشهد عظيماً مؤكداً أن الشعب العربي رافضٌ للتطبيع، مشدد على أن الصهيوني عدو، مهما حاول التسلل إلى الصف العربي.. هذا ما أثبتته المشاعر التي فاضت دون تحفظ، رغم محاولة الاستغلال لأكثر من مشهد، لحرف الأمور نحو أهواء البعض..

هنيئاً للعرب على أمل أن تكون النتائج حافزاً لتجاوز المنغصات؛ سياسية كانت أو غير ذلك، ولتشهد شعوب الأرض وحكامها مرغمين أننا أمة واحدة، ويكون الدرس الأكبر رسائل غير مشفرة أنه إذا عَزَمْنا نفعل ما يذهل.. والأخرى أنه على العالم أجمع أن يغير نظرته لنا ويهابنا.. وفقاً لما قاله المتنبي، ونحن في رحاب عيد اللغة العربية الذي نتمنى أن يقترن باسمه:

إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم

كل عام والعرب أمة واحدة.. وهي أكثر وعياً لمصيرها في مواجه مناوئيها.. حتى في الرياضة.

 

 

 

آخر الأخبار
٥٠ منشأة صناعية جديدة ستدخل طور الإنتاج قريباً في حمص الإعلام على رأس أولويات لقاء الوزير مصطفى والسفير القضاة وزير الإدارة المحلية والبيئة يوجه بإعادة دراسة تعرفة خطوط النقل الداخلي سجن سري في حمص يعكس حجم الإجرام في عهد الأسد المخلوع ميشيل أوباما: الأميركيون ليسوا مستعدين لأن تحكمهم امرأة لجنة السويداء تكسر الصمت: التحقيقات كانت حيادية دون ضغوط الضرب بيد من حديد.. "داعش" القوى المزعزعة للاستقرار السوري من الفيتو إلى الإعمار.. كيف تغيّرت مقاربة الصين تجاه دمشق؟ انفتاح على الشرق.. ماذا تعني أول زيارة رس... تفعيل المخابر والمكتبات المدرسية.. ركيزة لتعليم عصري 2.5 مليار يورو لدعم سوريا.. أوروبا تتحرك في أول مؤتمر داخل دمشق مغترب يستثمر 15 مليون دولار لتأهيل جيل جديد من الفنيين بعد زيارة الشيباني.. ماذا يعني انفتاح بريطانيا الكامل على سوريا؟ فيدان: ننتظر تقدّم محادثات دمشق و"قسد" ونستعد لاجتماع ثلاثي مع واشنطن وفود روسية وتركية وأميركية إلى دمشق لمناقشة ملف الساحل وقانون "قيصر" رغم نقص التمويل.. الأمم المتحدة تؤكد مواصلة جهود الاستجابة الإنسانية بسوريا بين "داعش" و"قسد" وإسرائيل.. الملفات الأمنية ترسم ملامح المرحلة المقبلة المنطقة الصحية الأولى بجبلة.. نحو 70 ألف خدمة في تشرين الأول تفجير المزة.. هل حان وقت حصر السلاح بيد الدولة؟ عودة محطة بانياس.. دفعة قوية للكهرباء واستقرار الشبكة نحو شوارع أكثر نظافة.. خطوات جديدة في حلب