الثورة – يمن سليمان عباس:
يظن الكثيرون أن إغداق الاهتمام بلا حدود على أطفالنا يعني اننا نحبهم كثيراً.. تجد الكثير من الآباء يتصرفون بمبالغة كبيرة في الاهتمام بالأطفال لا يتركون لهم مجالاً لأن يعيشوا لحظة واحدة دون أن يكونوا قربهم هذا اللون من الآباء يسميهم علم التربية الحديث الآباء (الآباء الحوامون) وفي دراسة حديثة صدرت بكتاب حمل عنوان : تربية الطفل بين الحب والمنطق.. تعليم الأطفال المسؤولية.. تأليف: فوستر كلاين وجيم فاي ترجمته إلى العربية صفاء طعمة غزول وصدر عن الهيئة العامة للكتاب بدمشق..
يقول الباحثان:
يعتقد بعض الآباء أن الحب يعني أن ترتكز حياتهم حول أطفالهم فقط هذا ما يسمى (بالوالد الحوامة او الهليكوبتر) فهم يحومون حول طفلهم وينقذونه عند حدوث المشاكل هم ذلك النوع الذي تراه يعد وجبات الغداء دائماً ويجلب قسائم الأذونات من المدرسة ويؤمن أدوات الموسيقا ويتأكد دوماً من إتمام طفلهم لواجباته المدرسية.
يحاولون إنقاذ أطفالهم دائماً من المأزق ولا يكاد يمر يوم واحد لا يحمون فيه صغارهم من أمر قد يفيدهم أو يستحقون العقاب عليه الأمر الذي يكون عادة تجربة يستفيد منها الطفل لينضج.
ولمجرد أن يرسل أبناؤهم إشارات يطلبون من خلالها المساعدة يتدخل (الوالد الحوام) الذي يكون أصلاً بالقرب من أطفاله وبكامل الجاهزية لمساعدتهم وحمايتهم من معلميهم أو رفقائهم باللعب أو من أي شيء يمكن أن يؤذيهم.
وفي الوقت الذي يعتقد هذان الوالدان العطوفان أنهما يسهلان الطريق أمام أولادهما لبلوغ مرحلة النضج بسهولة سيغادر أولئك الأطفال أنفسهم المنزل في المستقبل ويهدرون أول ثمانية عشر شهراً من مرحلة البلوغ في حياتهم في التغيب عن الجامعات أو جمع شتات أفكارهم لأن مثل هؤلاء الأطفال ليسوا مهيئين لمواجهة تحديات الحياة فقد سرقت منهم فرص مهمة للتعلم وكلها باسم الحب.
تكمن المفارقة هنا أن الناس غالباً ما يعتقدون أن مثل هذا النوع من الآباء هم آباء نموذجيون لأنهم عادة ما يستشعرون وجود عواقب غير مريحة فعندما يرون أطفالهم يتألمون يشعرون هم بالألم أيضاً لذلك ينقذونهم من محنتهم
لكن العالم الحقيقي لا يخضع لمبدأ الإنقاذ فالمشاكل مثل تأمين تذاكر المرور أو الفواتير مؤجلة الدفع أو الأشخاص غير المسؤولين أو الأمراض المصتعصية أو الضرائب وغيرها من الأحداث العادية التي تظهر في حياة أي بالغ لا تختفي عادة لمجرد فاعل خير ما ينقذنا ويساعدنا على الخروج منها لذلك نرى أن الآباء الحوامون يفشلون في تحضير أطفالهم لمواجهة هذا النوع من العالم.
كان الأهل الحوامون ممن التقيناهم في بداية العمل على إنجاز هذا الكتاب مسالمين للغاية مقارنة بأولئك الذين التقيناهم في وقتنا الحالي ولكن وفي خضم ثورة ازدهار التسعينيات ظهر نوع جديد لا يحاول إنقاذ طفله أو الدفاع عنه فحسب بل مستعد للانقضاض بالبنادق الحارقة والصواريخ المتفجرة لمهاجمة أي شخص يحمل ابنه مسؤولية الأفعال التي يقوم بها كنا نسميهم وضع الهجوم المقاتل للأهل الحوامين.
هذا النوع من الآباء مهووس دائماً بالرغبة في خلق عالم مثالي في حياة أطفالهم عالم متكامل لا يضطر فيه أبناؤهم أبداً إلى مواجهة أي صعوبات أو عوائق أو قلاقل أو خيبات أمل، حياة يبدؤون فيها مرحلة الرشد مزودين بأفضل أوراق اعتماد وهي النجاح في الدراسة ونيل أعلى الدرجات وممارسة الأنشطة غير الروتينية والحصول على الجوائز والأوسمة الخاصة
يعيش مثل هؤلاء الأطفال حياة يخبئون فيها اخطاءهم تحت الطاولة كما سمعنا الوالدين الحوامين يقولان مراراً وتكراراً: العالم الخارجي هو عالم مملوء بالتنافس وأريد أن يحصل أطفالي على كل المزايا كما أن الأخطاء التي ارتكبوها في صغرهم صغاراً لا يجب أن تقف عائقاً أمامهم فيما بعده.
ينقض هؤلاء الآباء في حماستهم لحماية صغارهم مثل طائرة حوامة تهاجم أي شخص أو أي قوة يرون فيها تهديداً لمزايا طفلهم المعصوم عن الخطأ كما نراهم يسارعون لتفجير قابلهم الكلامية الذكية في وجه أي شخص يضع معايير أفضل لتقييم السلوك والأخلاق والإنجازات.