لا جدال في أن تجارب السنوات الماضية مع النظام التركي تفرض الكثير من الحيطة والحذر من قبل الدبلوماسية السورية ذات الخبرة الكبيرة بتلونات أردوغان وإسرافه في المكيافيلية السياسية التي تؤمن طموحاته وتحاكي أوهامه على حدّ سواء، ولأن كانت دمشق مستعدة اليوم لمدّ اليد نحو أنقرة لطي صفحة الماضي الأليمة على أسس صحيحة وواضحة، فعلى الأخيرة أن تبرهن أنها جادة في العمل من أجل استعادة جزء من الثقة المفقودة بسبب الدور التخريبي الذي لعبته خلال الحرب، وليكن في حسبانها أنها هي التي اتخذت قرارات خاطئة وكان لها رهانات غير واقعية نسفت أركان العلاقة الايجابية التي كانت قائمة قبل عام 2011.
إذاً : الكرة اليوم في الملعب التركي، وينبغي أن تبدأ هي بتصحيح الوضع وإعادة الأمور إلى نصابها، فسورية لا تحتل أراضي تركية، ولا تعتدي على السيادة التركية، ولا تقطع المياه عن نحو مليون مواطن تركي، وليس لديها أذرع إرهابية مسلحة تستخدمها داخل تركيا أو خارجها وليس لها أي طموحات خارج حدودها، وإذا كان لا بدّ من إطلاق مسار سياسي بين دمشق وأنقرة برعاية إيرانية-روسية “ضلعي مثلث أستانا” فإن الخطوات المطلوبة من النظام التركي واضحة، وليس أقلها احترام السيادة ووحدة الأراضي السورية، والانسحاب إلى النقاط الحدودية ووقف دعم الجماعات الإرهابية المتحصنة في إدلب أو التي تمارس العدوان من داخل الأراضي التركية، كما يجب الكف عن إطلاق تصريحات سيئة النية بخصوص مستقبل العلاقة بين الدولتين.
ما من شك بأن لدى دمشق مبررات عديدة للتشكيك بالنيات التركية، وقد برهنت السنوات الماضية بأن أردوغان يجيد الرقص على الحبال السياسية، ويضع مصالحه الشخصية ولا سيما مستقبله السياسي فوق كلّ اعتبار، وفوق كلّ ذلك تبدو العلاقة التركية- الأميركية ببعدها الأطلسي “حلف الناتو” جزء من معضلة مزمنة قد تطيح بأي تفاهمات، وهذا ما يفرض على أنقرة حسم أمرها، واثبات حسن النيات والابتعاد عن الصفقات على حساب المنطقة ومصالحها.