الثورة – أديب مخزوم:
تميزت أعمال النحَّات الراحل فؤاد أبو عساف خلال رحلته الفنية القصيرة، بحيويتها اللافتة الناتجة عن موهبة حقيقية، تجلت في قدرته على التحكم في الكتلة التي تشغلها المنحوتة ( وخاصة البازلتية ).. ولقد كان يمتلك الأساس الصحيح لانطلاقة الفنان من التشريح، مع إعطاء أهمية قصوى للنسب والمؤثرات البصرية الحديثة، كما أنه كان يركِّز لإظهار الحيوية والرشاقة في حركة العناصر الإنسانية والحيوانية، وفي معالجته لرشاقة الأشكال النباتية أظهر مقدرة لافتة أيضاً، حيث جسَّدها بسهولة ميسرة وجعلِها قريبة من النموذج الأصلي الذي نراه في الواقع.
وأكثر ما تميزت بها أعماله، قدرته اللافتة على تجسيد ليونة حركة الأشكال في الكتل البازلتية القاسية.
فؤاد أبو عساف عُرف أيضاً بغزارة إنتاجه الفني النحتي، ومن هذا المنطلق كان يبشر بمزيد من العطاء الفني، لولا رحيله المبكر، وأعماله النحتية التي أطلعني عليها خلال زيارتي لمُحترَفه في السويداء، وقدَّم العديد منها في معارض فردية وجماعية، كما أنه أطلعني على مجموعة من منحوتاته المشغولة بتقنيات مختلفة، وخاصة الخشب، وكل ذلك أكَّد موهبته في مجال تشكيل المنحوتة.
كان يجسد دراسات لمنحوتاته قبل تنفيدها في الأبعاد الثلاثة، والواقع أن النحَّات الذي لا يمتلك أسرار الرسم الصحيح، لا يمكن أن يجسد منحوتات قوية وصادقة وذلك لصعوبة الفصل بين فن الرسم وفن النحت، فهما متداخلان لجهة أن القواعد الأكاديمية الصحيحة مطلوبة في الفنين، ولابدَّ من إتقانهما قبل الانطلاق في مجال تشكيل المنحوتة أو اللوحة الحديثة، والذي لا يعرف الرسم أو النحت الأكاديمي الصحيح لن يكون ناجحاً أو قوياً في التشكيل الحديث، وبالتالي فإن تَعثُّر موهبة من يدخل في مجال الفن، سيظهر في مجمل الأعمال التي ينجزها سواء منها الواقعي أو التعبيري أو أي اتجاه فني حديث ومعاصر.
ضمن هذا السياق توضحت خطوات الفنان الراحل فؤاد أبو عساف الفنية، التي امتلكت أسرار وتقنيات النحت الأكاديمي الصحيح، ثم انطلقت وأضفت التكوينات الحديثة على أجواء منحوتاته الواقعية أو التعبيرية وهو – على سبيل المثال – في بعض منحوتاته جسَّد المرأة بطريقة واقعية ثم عمد إلى إضافة بعض التشكيلات الفنية الحديثة في القسم العلوي ( فوق الأيدي المرفوعة إلى الأعلى مثلاً )، كذلك نجد ملامح الحداثة في إضفاء المزيد من التحوير والاختصار والعمل على إبراز استطالة الشكل.
وفي ممارسته الفنية النحتية تنقَّل بين النحت الجداري ( الرولييف ) والنحت الفراغي، وهو حين كان يجسِّد المنحوتة الفراغية فإنه كان يبحث عن نقاط ارتكاز محورية على القاعدة، على عكس المنحوتة الجدارية التي لا تتطلب البحث عن نقطة ارتكاز (كونها مشغولة لتوضع على جدار) أو حائط.
على الصعيد التقني اعتمد في بداياته على طريقة النحت الخشبي، إلى جانب استخدامه لمادة الجص في تنفيذ بعض منحوتاته، ثم برز اهتمامه الكبير بالنحت البازلتي على كتل صلبة ميَّزت منطقة السويداء مرتع طفولته وفتوته.
وهو حين كان يجعل أشكال منحوتاته تنحو نحو الاستطالة والطولانية فإنه في ذلك كان يعطيها دلالات روحية تذكرنا بالاستطالة الإنسانية المجسدة في الفنون البيزنطية، وهذه الاستطالة الشاقولية ترمز إلى السمو الروحي، علاوة على ذلك برزت في منحوتاته دلالات تعبيرية مرتبطة بواقع الإنسان المحاصر بمشاعر القلق والتوتر والاضطراب… نجد ذلك في تعبير الوجوه المعذَّبة، وفي حركات الأيدي المرفوعة إلى أعلى كإشارة لرغبة في الانعتاق من أسر الواقع المحبط باليأس والقهر والمرارة. فهو لم يجسِّد الشكل الإنساني كحالة جمالية فقط، وإنما جسَّده أيضاً كرمزٍ للحرية، وكوسيلة تحرض على الخروج من نفق واقعنا المأساوي المفتوح على كوارث الحروب المتواصلة دون نهاية.
فؤاد أبو عساف من مواليد السويداء 1966، درس الفن في كلية الفنون الجميلة في دمشق، وشارك في معارض نقابة الفنون الجميلة ( فرع السويداء ) التي أقيمت في العاصمة دمشق منذ التسعينات، إلى جانب معارضه الفردية والمشتركة في السويداء ودمشق وغيرها، ولقد رحل عام 2021 وهو في أوج نشاطه الفني النحتي، تاركاً مجموعة كبيرة من الأعمال النحتية المميزة في حيويتها ورشاقتها، وافتُتِحَ في أيلول 2022 في ثقافي أبو رمانة بمناسبة الذكرى الأولى لرحيله، معرض استعادي لبعض أعماله ( نحت ورسم )، ترافق بإقامة ندوة تكريمية شارك فيها سعد القاسم وغازي عانا ونجود الشومري ( رفيقة الفنان الراحل في رحلة الحياة والفن )، كما ترافق بعرض فيلم عن أعماله، وقدمت للندوة الإعلامية أمل الشومري.