عوالمٌ مُتداخلة …؟!

الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
تظلّ الكتابة واحدة من أهم لحظات التّجلي والبوح الذاتي، ولحظة انعتاق الذات من قيودها ، وصولاً إلى فضاءات رحبة تبدو معها الكلمة أكثر تعبيراً ،وأكثر قدرة على التأثير في المتلقي والوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه .
والكتابة بكلّ أشكالها وصورها ومجالاتها وتنوعاتها ، ليست عملاً مجرّداً خالياً من المشاعر والأحاسيس والمعاناة ، بل هي ارتباط عميق بين الكاتب والبيئة المحيطة به أو ما ندعوها بطقوس الكتابة التي يمكن أن يمارسها هذا الكاتب أو ذاك ، وهي مختلفة من حيث الأدوات ، المكان ، التوقيت، الظروف المحيطة ، نوع الشراب واللباس والورق والأقلام ، لدرجة أن بعضها يبدو غريباً وطريفاً، وأحياناً شاذاً ؟ ويشكّل حالة استهجان عند القارىء أو المتلقّي .
والطقوس التي يجد فيها الكاتب نفسه أكثر قدرة على الكتابة، تشكل دافعاً مهمّاً للإبداع ، من خلال اختيار اللحظة المناسبة، للبدء برسم ملامح منجزه الجديد وإطلاق أجنحته في فضاء الإبداع الذي لا ينتهي .
الكتابة ليست وليدة اللحظة المعاشة ، إنّما هي إرهاصات ترافقت مع الطفولة واليفاعة لتتحول إلى عادة وطقس يومي يمارسه الأديب ولا يستطيع الانعتاق منه ، لأنه أصبح من صلب عمله وذاته وتفكيره ، ويشكّل عاملاً محفزاً له .
القارىء العادي قد لا تعنيه كلّ هذه الطقوس ، لكن القارىء المتبصّر يبحث كثيراً في حيثيات وظروف الكاتب النفسيّة والمعنويّة ..ونراه يبحث في كلّ صفيرة وكبيرة لمعرفة الظروف التي يحياها في أسرته ومجتمعه ، وخاصة تلك التي تبدو غريبة وغير مألوفة ، أو مستهجنة ، أو تثير تساؤلات عديدة…
يختلف الأدباء والكتّاب وكلّ من يكتب سواء في الأدب ، أو الإعلام ، أو الدراما أو …يختلف هؤلاء في طقوسهم الكتابية والإبداعية ، بعضهم يكتب في الصباح ، والبعض الآخر يكتب في وسط النهار ، أو في منتصف الليل …بعضهم يكتب على مكتب أو طاولة من حديد أو خشب ، والبعض الآخر يجلس أو يستلقي على الأرض ويكتب …!؟
بعضهم يكتب بقلم حبر ، أو ازرق ناشف ، والبعض الآخر يكتب بقلم الرصاص أو القلم الأحمر …
بعضهم أثناء الكتابة يشرب القهوة أو عدة فناجين من القهوة، أو الشاي أو المتة أو الزهورات ، والبعض الآخر لا يشرب شيئاً بل يتناول الطعام أثناء الكتابة ..
بعضهم يكتب في البيت أو مكان العمل ، والبعض يكتب في الحديقة، أو الطبيعة ، أو الشارع أو الفندق ..
البعض يكتب وهو يستمع لموسيقا هادئة ، والبعض الآخر يستمع إلى موسيقا صاخبة ..!؟
إذاً نحن أمام عالم كتابة متداخل ، متناقض ، غريب في شكله وتفاصيله ، وهو انعكاس لنفسية وسلوك الأدباء ، الذين يعيشون حياتهم طبقاً لبيئاتهم وخلفياتهم الثقافية والاجتماعية .
تختلف طقوس الكتابة من حيث الورق ، إذ يستخدم البعض الورق الأبيض أو المسطّر او الملون ، والبعض الآخر يكتب على قصاصات ورقية متناثرة ..؟
ويبدو الاختلاف أيضاً من خلال اللباس الذي يرتديه الكاتب أثناء الكتابة ، فالبعض يلبس البيجاما ، والبعض الآخر يرتدي الطقم الرسمي ، و…
ولعلّ من طرائف ونوادر طقوس الكتابة أن بعضهم يكتب في الحمام ؟ أو يكتب وهو واقف لساعات ، أو…
هي طقوس مختلفة ، متنوعة ترتبط مع كلّ من امتهن الحرف والكلمة ، هي حاضنة طبيعية لفعل الإبداع ، من خلالها يجد الكاتب نفسه أكثر قدرة على العطاء …
اذكر جيداً في سنوات طفولتنا الأولى كنّا نتحلق حول مصباح الكاز،نبدأ بالقراءة والكتابة وإنجاز واجباتنا المدرسية ونحن ننبطح على الارض ، ومع الزمن أصبحت هذه الحالة من طقوس الكتابة الإبداعية ، إلى جانب الكتابة على الطاولة مع الاستماع لموسيقا هادئة بعيداً عن الصخب والضوضاء والتي أراها تحدّ من حدّة التفكير واسترسال الأفكار الجديدة والتي تتزاحم بفرح على ورق ٍ أبيض مسطر ، أو دفتر عادي ، حيث يخط قلم الرصاص الصور الشعرية والجُمل التي تبدو أكثر جمالاً وبهاءً …
في الليل عندما يغادر النوم الأجفان ، تبدأ الأفكار بالتوارد تباعاً ، وحتى لا تضيع الفكرة في عتمة السكون ثمّة حركة لا بدّ منها ، عندها تتسلل يدي إلى القلم لأبدأ بتدوين وكتابة ما أجده ملحّاً لا يقبل المهادنة ..؟!
لا يوجد طقس للكتابة محدد بذاته ، هناك تنوع في حالات البوح وخاصة عندما يباغتك شيطان الشعر ، لا تجد بدّاً من الاستجابة وإطلاق العنان للسجية فتأخذ مداها إلى الآفاق البعيدة …..
قبل ظهور الحاسوب والخليوي ثمة مُتعة لا تجاريها متعة وأنت تلامس الورق بيديك ، تكتب وتشطب ، تصحح ، تبدل كلمة هنا وجملة هناك حتى تشعر بأن مداميك البناء غدت قوية وجميلة ومدهشة ؟!
أصبحت الكتابة على الحاسوب أو الخليوي هي السمة العامة لدى معظم الكتّاب ، لسهولة وسرعة الكتابة والإرسال والتنسيق والتبويب والتدقيق ، هذا الطقس لا يخلو من متعة ، لكن يراه البعض نقمة ؟ في حين يراه البعض نعمة للأسباب التي ذكرناها …
من خلال التجربة الشخصيّة في الكتابة والتي تمتد لعقود، هناك تبدلات وتغيرات وتحولات في طقوس الكتابة ، لكنها تبقى ملازمة للكاتب في مسيرته الإبداعية ويجد فيها ومن خلالها دوافع مهمة لبث أعمال جديدة ومتجددة ، وهي الحاضنة الطبيعية لاستقبال أي مولود جديد ..؟!
صحيح أن للإلهام دوراً هاماً في التقاط الفكرة والبناء عليها، لكن لا يستطيع الكاتب أو الأديب أن ينسلخ عن جلده طالما ارتبطت كتاباته بطقوس معينة ، إلى جانب الظروف المحيطة التي تسمح له بالكتابة بعيداً عن الإكراه و القسر .
ايّاً تكن طقوس الكتابة ، فلكلّ أديب أو كاتب أو إعلامي طقوسه الخاصة في الكتابة ، حيث تشكّل عوالمه الذاتية ، والتي تطرق أبواب وعيه و لاوعيه ؟
وصولاً إلى لحظات التجلي لفكر وعقل وروح الكاتب أولاً وأخيراً.

العدد 1132 – 14-2-2023

آخر الأخبار
حملة رقابية في حلب تكشف عن معلبات حُمُّص منتهية الصلاحية "تقصي الحقائق" بأحداث السويداء تلتقي المهجّرين في مراكز الإيواء في إزرع علاقات اقتصادية مع روسيا في إطار تبادل المصالح واحترام السيادة الوطنية تعاون سوري – عُماني لتعزيز القدرات في إدارة الكوارث شراكة جديدة لتحديث التعليم وربط الشباب بسوق العمل زيارة الوفد الروسي.. محطة جديدة في العلاقات المتنامية بين دمشق وموسكو سوريا وروسيا تبحثان بناء شراكة قائمة على السيادة والمصالح المشتركة سوريا: الاعتداء الإسرائيلي على قطر تصعيد خطير وانتهاك سافر للقانون الدولي الشيباني: سوريا تفتح باب التعاون مع روسيا.. نوفاك: ندعم وحدة واستقرار سوريا استهداف قيادات حماس في الدوحة.. بين رسائل إسرائيل ومأزق المفاوضات "إدارة وتأهيل المواقع المحروقة للغابات" في طرطوس تحالف يعاد تشكيله.. زيارة نوفاك  لدمشق ملامح شراكة سورية –روسية  دمشق وموسكو  .. نحو بناء علاقات متوازنة تفكك إرث الماضي  بين إرث الفساد ومحاولات الترميم.. هل وصلت العدالة لمستحقي السكن البديل؟ حلب تفرض محظورات على بيع السجائر.. ومتخصصون يؤيدون القرار 1431 متقدماً لاختبار سبر المتفوقين في حماة أسواق حلب.. وجوه مرهقة تبحث عن الأرخص وسط نار الغلاء دمشق وموسكو.. إعادة ضبط الشراكة في زمن التحولات الإقليمية "اللباس والانطباع المهني".. لغة صامتة في بيئة العمل المغتربون.. رصيد اقتصادي لبناء مستقبل سوريا