لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الآلام إلا من يصطلي بنارها قليلاً أو كثيراً، وفي المثل الشعبي: (من يعد العصي ليس كمن يأكلها)، ونحن السوريين ومن دون شك خبرنا الآلام وربما صارت جزءاً من يومياتنا وحياتنا جيل ولد وعاش وتربى في ظل ظروف قاسية هي الحرب العدوانية علينا.
طبعاً ويلات الحرب على الجميع ولكن ببساطة يمكن القول: إن جيلنا وقد بلغنا الستين ونيفاً وما قبله أو بعده بأجيال عدة عرف طعم الأمل والعمل والعطاء.
واليوم تأتي عوامل الطبيعة لتراكم ألما فوق ألم ومعاناة فوق أخرى وتبعث ألاماً أقل ما يقال فيها: إنها جراح غائرة يعمل الجميع على معالجتها وبلسمتها نرى ذلك في كل أرجاء سورية في كل بيت وقرية وحي ومدينة، وكأننا أمام قول أبي ريشة: لمت الآلام من شملنا ونمت ما بيننا من نسب.
هي (فزعة) السوري لأخيه السوري والشقيق لشقيقه من أقطار عربية، في موكب الآلام هذه لا أحد خارج زورق الوطن، ومن يظن أنه في منأى عن أذى أو عن مسؤولية لهو في ضلال مبين الكل يد واحدة قلب واحد أمل واحد يرنون إلى غد مهما طال الليل فلا بد أنه آت وسيكون…. وصناعة الأمل من الألم هي بعض من قيم السوري وقدرته الفائقة على تحويل المحنة إلى منحة هل تذكرون قول عبد الباسط الصوفي: (ونطعم الحياة من قلوبنا الممزقة).
نعم نطعم الحياة نصنعها نجملها نبلسمها نريدها لنا ولغيرنا ولا ننسى أن نكون يد العون مع الجميع زرعنا وحصدنا، وسوف نزرع ليحصد الأبناء.. ولعل أصدق حال يدل علينا قول أدونيس: وقلنا لألامنا كوني مراكبنا واستنفري شرر التكوين واصطخبي، بورك خطبنا فقد لم أشتاتاً حان لها أن تلم.