الثورة: أديب مخزوم
ساهم المايسترو والمؤلف والموزع الموسيقي الراحل نوري الرحيباني في نشر الموسيقا التراثية وتوزيعها أوركسترالياً داخل وخارج سورية، وخاصة في برلين، وعرف بعض الأجانب على أجواء موسيقية مغايرة لمألوفهم، ومن ضمن ذلك سيمفونية الموسيقار صفوان بهلوان (الربان والعاصفة) حيث قام بتوزيعها وقيادة أوركسترا وكورس إذاعة برلين عام ١٩٨٧، وهي تحكي عن تاريخ جزيرة أرواد السورية، مسقط رأس ومرتع طفولة وفتوة صفوان بهلوان، كما تعبر بالإشارات والنغمات الموسيقية عن الملكة الفينيقية أليسار، التي حكمت الساحل السوري قبل آلاف السنين، ليؤكد من جديد قدرته، على التجديد، والارتباط بماضي الأمجاد، الذي صنعته ملكات وأميرات الزمن الغابر في شرقنا السوري والساحلي تحديداً.
هذا يعني أن مخيلة الراحل الكبير نوري رحيباني وثقافته، كانت غنية بالقصص والوقائع التاريخية، وكان يستعيد أمجاد الماضي بلغة موسيقية حديثة ومعاصرة، في خطوات التعبيرعن العناصر والإيقاعات السمعية البحتة أو الخالصة، علاوة على الإبهار البصري الناتج عن كثرة العازفين وطريقة توزيعهم على المسرح والإضاءة وكل ما تستلزمه الحفلات الموسيقية الأوركسترالية، من تنظيم يترك في القلب والوجدان فسحة إعجاب ودهشة.
كان ينحاز في هواجسه وتصوراته وتخيلاته كلياً إلى معطيات التراث والتاريخ السوري، ويقوم بترويض وتكييف وتوليف إيقاعاته السمعية المختلفة، متبعاً تجليات الأحاسيس الداخلية العميقة المقروءة في مؤلفاته، وحركاته خلال قيادته للفرق الموسيقية، حاملاً إلينا رؤيته المتجددة، المنطلقة من الماضي الحضاري السحيق، والمتجهة نحو الحاضر والمستقبل.
إننا نفتخر بوجود موسيقيين أكاديميين يقودون فرقاً موسيقية كبرى، داخل سورية وخارجها، ويعرفون الأجانب على أجواء موسيقية مغايرة لمألوفهم، صحيح أن الجمهور العربي لايزال يحبو باتجاه سماع الموسيقا السمفونية، ولاتزال الموسيقا المصحوبة عنده بالغناء هي الساحرة، ولهذا فهو يفضل ألف مرة الذهاب لحضور حفل غنائي على الذهاب لحضور حفل موسيقي.
وهذا لايعني أننا غير قادرين على توسيع دائرة الإهتمام بالموسيقى الأوركسترالية، التي هي من أبرز مظاهرتقدم الأمم، والراحل نوري موزع موسيقي، وله إسهامات مميزة في هذا المجال، والموزع هو الذي يكتب نوتة اللحن بعد أن يسمعه من الملحن على نغمات أوتارعود مثلاً، وقد يكون الملحن لايعرف كتابة وقراءة النوتة فيستعين بالموزع الموسيقي، الذي يقوم بتدوين اللحن ويوزع نسخ النوتة على العازفين، ويخرجه إلى النور.
كما كان نوري الرحيباني متخصصاً في العزف على البيانو، وله أمسيات في هذا الإطار، وهو إلى جانب ذلك مؤلف موسيقي، له أعمال مستلهمة من التراث الشعبي والفولكلوري، ولقد ساهم في إيصال التراث السوري إلى أسماع الأجانب، بطريقة مغايرة وخاصة به، وبتوزيع أوركسترالي يستسيغه المستمع الغربي، وبذلك ارتقى بموسيقانا إلى مرتبة الإيحاء.. ولقد قاد العديد من الفرق الموسيقية الكبرى، داخل وخارج سورية، ومن ضمنها الفرقة السيمفونية الوطنية السورية حين قدمت بعض مؤلفاته أو بعض المؤلفات العالمية، ولقد كتب المايسترو ميساك باغبودريان يقول: بأنه كان يتواصل معه، من أجل تقديم أحد أعماله الموسيقية الكبيرة، بقيادة ميساك، وبأنه أرسل له النوتات الموسيقية، بعد أن قام بإعادة كتابتها على الكومبيوتر، كما عبر عن رغبته في حضور هذه الحفلة، ولكن الموت كان أسرع من مخططاتهما.
التالي