ما من شك بأن القطبية العالمية الأحادية التي احتكرتها الولايات المتحدة الأميركية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي قد بدأت بالترنح والأفول، وأصبح العالم على مشارف تعددية جديدة تعيد التوازن في العلاقات الدولية والقرار الدولي، وينتظر أن ينعكس ذلك على بنية وهيكلية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بما يساعد على إصلاح هاتين المؤسستين اللتين أفقدتهما الإدارات الأميركية المتعاقبة بهيمنتها وتماديها وغطرستها وتدخلها وتجاهلها ثقة العالم ،ولا سيما الشعوب المستضعفة والنامية الساعية للتحرر من الهيمنة الأجنبية.
فالاتفاق الذي رعتّه الصين بالأمس بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران، والذي يعيد العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد قطيعة سببها بالدرجة الأولى النفوذ الأميركي، يعدّ ضربة قاسية لنهج الهيمنة والتدخل وفرض الإملاءات الذي تتبعه واشنطن في تعاطيها مع دول المنطقة، وهو يؤسس لمرحلة جديدة من التفاهم الإقليمي على حلّ مشكلات المنطقة وتبريد الجبهات الساخنة فيها ونزع فتائل التفجير المصطنعة دون تدخل خارجي أو شروط مفروضة من قبل اللوبي الأميركي.
لقد كان واضحاً بما لا يقبل الجدل استياء واشنطن من المساعي الصينية التي قرّبت وجهات النظر بين طهران والرياض وأسست للمصالحة بين العاصمتين، ولا يمكن أن يمرّ الأمر بهذه السهولة، فلدى واشنطن الكثير من أوراق اللعب والأفكار الخبيثة التي يمكن أن تزجّها على نية التخريب، وهذا غير خاف على المسؤولين السعوديين والايرانيين، وهو ما يحملهما مسؤولية إضافية في عملية بناء الثقة وزيادة التفاهم والتنسيق والحوار لمنع الجهات المتضررة وخاصة الكيان الصهيوني – الغدة السرطانية – من التخريب وإعادة عقارب الساعة للوراء، فما تمّ إنجازه على الصعيد الإقليمي مهم جداً لتسوية الكثير من الأزمات والمشكلات العالقة، ومن الضروري استغلال هشاشة الإدارة الأميركية الحالية وتخبطها لإرساء علاقات إقليمية متينة، فما يجمع شعوب المنطقة تاريخياً يشكّل أساساً متيناً لبناء أفضل العلاقات وترسيخ السلام والاستقرار في عموم منطقتنا شريطة منع القوى الخارجية من تنفيذ أجنداتها.