الثورة – رشا سلوم:
مازال الأدب الروسي يشكل منجما ثرا للعالم كله، وما ينفك المترجمون ينهلون منه ويقدمون لقرائهم المزيد منه، وفي هذا الإطار صدر ضمن “المشروع الوطني للترجمة” مسرحية (النفوس الميتة… كوميديا مأخوذة عن رواية “النفوس الميتة” لنيقولاي غوغول)، تأليف: ميخائيل بولغاكوف، ترجمة: د. هاشم الحمادي.
المسرحية مقتبسة من رواية تحمل العنوان نفسه للكاتب الروسي نيقولاي غوغول، تتحدث عن نماذج مختلفة من مُلاك الأراضي البعيدين كل البعد عن السمات الإنسانية؛ وتصور الحالة التي عانت منها روسيا في الميادين الإنسانية والأخلاقية والاقتصادية.
الكاتب ولد في عائلة بروفسور في أكاديمية كييف الدينية. وعاش طفولته وشبابه في مدينة كييف. وسوف تدخل كييف في إبداع بولغاكوف كمدينة في رواية الحرس الأبيض حيث لن تكون مكان الحدث وحسب، بل وتعبيراً عن الإحساس العميق بالعائلة وبالوطن (كما في مقالته «كييف – المدينة» 1923). انتسب إلى كلية الطب في جامعة كييف عام 1909 وتخرج منها عام 1916 مع شهادة طبيب معالج بدرجة امتياز.
لقد أرست الأعوام التي قضاها بولغاكوف في كييف الأساس لنظرته إلى العالم. فهناك بدأ يدغدغ الكاتبَ الحلم باحتراف الكتابة. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى كانت شخصية بولغاكوف قد تبلورت بشكل كامل. بعد تخرجه من الجامعة عام 1916 عمل بداية في مستشفيات الصليب الأحمر على الجبهة الجنوبية الغربية. ومن هناك تم استدعاؤه للخدمة الإلزامية، ليتم فرزه في منطقة سمولنسك حيث عمل في البداية طبيباً في مستشفى القرية، ومن ثم اعتباراً من أيلول عام 1917 في مستشفى مدينة فيازما. وقد شكّلت تلك الأعوام مادة لثماني قصص كتبها بولغاكوف وصدرت في عام 1925 ضمن سلسلة «مذكرات طبيب شاب». وكان قد بدأ العمل في كتابتها هناك في مقاطعة سمولنسك، مضيفاً إليها بانتظام انطباعاته من اللقاءات مع المرضى.
و في آخر أيام الحرب الأهلية التي وقعت حينها ولم يكن قد ترك القوقاز بعد، كان بولغاكوف مستعداً لمغادرة الوطن والسفر إلى الخارج. ولكن بدلاً من ذلك نراه يظهر في موسكو في خريف عام 1921 ليبقى فيها إلى الأبد. وعلى الأرجح أن ذلك لم يكن ليحصل من دون تأثير الشاعر أوسيب ماندلشتام، الذي التقاه في أواخر أيام تواجده في القوقاز. وقد كانت أولى أيام بولغاكوف في موسكو صعبة جداً، لا من حيث الإقامة والحياة وحسب، بل ومن الناحية الإبداعية أيضاً. إذ كان مضطراً للقيام بأي عمل لكي يعيش. ولكن مع الوقت أصبح بولغاكوف كاتب مقالات هجائية في عدد من الصحف الموسكوفية وجريدة «ناكانوني» التي كانت تصدر في برلين. وقد نشر له الملحق الأدبي لتلك الجريدة، بالإضافة للقصة الطويلة آنفة الذكر «مذكرات على الأكمام»، القصص التالية: «مغامرات تشيشيكوف»، «التاج الأحمر» و«كأس الحياة» (جميعها صدرت في عام 1922). ومن بين الإصدارات المبكرة، التي كتبها بولغاكوف إبّان مرحلة العمل الصحفي، ثمة قصة «نار الخان» (1924) التي تتميز بمستوى فني رفيع. واللافت للنظر هو غياب التأثير الصريح لمختلف التيارات الأدبية المعاصرة على إبداع بولغاكوف في تلك الفترة، وذلك بدءاً من الكسندر بيلي وانتهاءً ببوريس بيلنياك، اللذين كان لهما تأثير واضح على الكثير من الكتاب الشباب العاصرين لبولغاكوف. لقد كانت غريبة عنه النظريات الشائعة آنذاك حول«يسارية الفن» وكذلك مختلف التجارب الإبداعية الشكلانية (من هنا كثرة الوخزات الهجائية التي وردت في كتاباته بحق كل من شكلوفسكي ومائيرخولد وماياكوفسكي..).
عاش بولغاكوف سنواته الأخيرة مع إحساس بأن مشواره الإبداعي قد مضى سدى. ومع أنه استمر في عمله بهمة عالية واضعاً عددا من الأوبرا («البحر الأسود» ” عام 1937، «مينين وبوجارسكي» عام 1937، «الصداقة» عام 1938، «راشيل» عام 1939، وغيرها)، لكن هذا كان يدل على رصيده الإبداعي الذي لا ينضب أكثر مما يشير إلى سعادة الإبداع الحقيقية.
مات بولغاكوف في موسكو في عام 1940 بعد أن أحرق مخطوطة رواية «المعلم ومرغريتا» التي أنقذتها فيما بعد زوجته لترى النور متأخرة حوالي ثلاثة عقود عن تاريخ ميلادها الحقيقي، وليستمتع بها ملايين القراء في العالم ولتضاف بذلك درة أخرى إلى درر الأدب الروسي والعالمي.
مسرحية (النفوس الميتة… كوميديا مأخوذة عن رواية “النفوس الميتة” لنيقولاي غوغول)، تأليف: ميخائيل بولغاكوف، ترجمة: د. هاشم الحمادي، تقع في 152 صفحة من القطع المتوسط، صادرة حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2023.