عبد الغني العطري… شيخ الصحافة السورية

الملحق الثقافي- أحمد بوبس:
إذا صح أن يكون للصحافة السورية الحديثة شيخ، فالأديب والصحفي عبد الغني العطري هو ذلك الشيخ، لأنه بحق رائد الصحافة السورية الحديثة، أسس أكثر من مجلة وجريدة، وكانت هذه مدرسة تخرج منها الكثير من الذين غدوا من أرباب القلم والكتابة في سورية.
تلقى عبد الغني العطري تعليمه في الكلية العلمية الوطنية، وزامل فيها الشاعر نزار قباني، وفيها تعرف على الأدبين العربي والفرنسي، وتأثر بأستاذه في الأدب العربي الشاعر خليل مردم بك، فعشق الأدب، ودأب خلال فترة شبابه على الاطلاع والقراءة ونهل العلم والمعرفة من الكتب والدوريات القديمة بالمكتبة الظاهرية، وعندما بدأ بالكتابة نشر محاولاته الكتابية في الثلاثينات من القرن العشرين في بعض المجلات الأدبية، منها :مجلتا (الرسالة) المصرية و(الأديب) وجريدة (المكشوف) وغيرها. وكان عمره وقتها ستة عشر عاماً.
عمل عبد الغني العطري في جريدة (الأخبار) اليومية لصاحبها محمد بسيم مراد، فأظهر مهارة في العمل الصحفي، دفعت صاحب الجريدة إلى تعيينه رئيساً لتحريرها. وفي الوقت نفسه كان يكتب أحاديث إذاعية لإذاعة (الشرق الأدنى) التي كان مقرّها في مدينة يافا بفلسطين.
في عام 1941 قرر عبد الغني العطري خوض الصحافة من أوسع أبوابها، بأن يُصدر جريدة خاصة به، وكان قد نال الشهادة الثانوية حديثاً، فاشترى امتياز جريدة (الصباح) من صاحبها علي الغبرة، وكانت متوقفة عن الصدور، وأصدرها بشكل أسبوعي. وصدر العدد الأول برئاسة تحرير عبد الغني العطري في السادس من تشرين الأول عام 1941. واستمرت بالصدور لمدة سنتين. وكتب فيها كبار رجالات الفكر والأدب في سورية والبلاد العربية، وكان من أبرز كتابها خليل مردم بك، شفيق جبري، عبد السلام العجيلي، خليل هنداوي، نزار قباني، محمد البزم، محمود تيمور، سهيل إدريس، زكي مبارك، علي أحمد باكثير، بديع حقي وفؤاد الشايب.
وفي عام 1945 خاض عبد الغني العطري مغامرة ثانية، عندما اشترى ترخيص جريدة حملت اسم (الوطن) بمئة ليرة ذهبية، وحولها إلى مجلة اسبوعية جامعة حملت اسم (الدنيا). وصدر العدد الأول من مجلة الدنيا في 17 آذار عام 1945 ولقيت نجاحاً كبيراً، واستطاع أن يجعلها تدخل كل بيت يقرأ في سورية ولبنان تقريباً، لأنه أدخل عليها أبواباً جديدة، واستطاع أن يجعل من قراء المجلة محررين فيها بما ابتكره من أبواب منوّعة كأبواب التعارف وعيادة القراء وغيرها من الأبواب. استمرت مجلة (الدنيا) في الصدور ثمانية عشر عاماً، حيث توقفت في 8 آذار 1963.
عقب توقف مجلة (الدنيا) عن الصدور غادر العطري إلى المملكة العربية السعودية وعمل في وزارة الإعلام بالرياض وتولى رئاسة تحرير مجلة (الإذاعة)، وكتب الكثير من المقالات في المجلات والصحف السعودية. وأصدر في تلك الآونة كتابه (أدبنا الضاحك) الذي ضمنه أجمل مافي تراثنا العربي من طرائف وحكايات. وأتبعه بكتاب (دفاعاً عن الضحك).
بعد توقف مجلة (الدنيا) لم يلغِ عبد الغني العطري مكتب المجلة الذي كان في إحدى دخلات السنجقدار، بل أغلقه محتفظاً بكلّ ما فيه، ومنها مجلدات جريدة (الصباح) ومجلة (الدنيا). وبعدما عاد من السعودية افتتحه وجعله مكتباً له يمضي فيه سحابة يومه، يقرأ ويكتب مقالاته ودراساته التي كان ينشرها في كبريات المجلات العربية، مثل (العربي) و(الفيصل). وكان له صفحة دائمة في مجلة فنون بعنوان :(أوراق صحفي قديم)، كان يتحدث فيها عن ذكرياته مع الأدباء والفنانين الذين عايشهم في حياته.
وبعد عام 2000 وصدور قانون الصحافة الذي يسمح بصدور الصحافة الخاصة، أزمع إصدار مجلة (الدنيا) من جديد، لكن يد القدر كانت الأقوى، فرحل قبل تحقيق أمنيته بإصدار مجلته الأثيرة إلى قلبه.
لم تكن الصحافة ميدانه الوحيد، بل شغلت الكتابة الأدبية مساحة واسعة من اهتماماته. فقد شهدت طاولته القديمة في مكتبه نشاطه الكبير في الكتابة، فعليها وضع اثني عشر كتاباً. توزعت ما بين ثلاثة مواضيع.
ففي الجانب الأدبي أبدع مجموعة قصصية حملت عنوان :(قلب ونار) صدرت عام 1973، وأصدر كتاب :(همسات قلب) عام 2001، والذي ضمّ مجموعة من الخواطر كان قد نشرها في الصحافة، وله أيضاً كتاب :(اعترافات شامي عتيق) الذي أصدره عام 1998.
ولما كان أحد ظرفاء دمشق، كان للسخرية وأدبها نصيباً من مؤلفاته، فوضع فيها كتابين، الأول: (أدبنا الضاحك) عام 1970، والثاني :(دفاعاً عن الضحك) عام 1993، وفي هذا الكتاب يتحدث عن (عصبة الساخرين) التي كان أحد مؤسسيها وأعضائها عام 1948، ويروي طرائف وسخريات أعضاء الرابطة، وهم سعيد الجزائري وعباس الحامض وسعيد قضماني وحسيب كيالي والدكتور عبد السلام العجيلي، ثم كتاب (بخلاء معاصرون) عام 2002، يروي فيه حوادث طريفة عن بخل بعض الشخصيات التي عرفها.
لكن كتبه الأكثر أهمية كانت عن أعلام الأدب والثقافة والفن في سورية، وبلغ عددها ستة كتب، تحدث فيها عن مجموعة من الأدباء والكتّاب الذين عايشهم، فكانت كتاباته عنهم وثائق مهمة. وهذه الكتب هي :(عبقريات شامية) عام 1986، (عبقريات من بلادي) عام 1995، (عبقريات وأعلام) عام 1996، (عبقريات) عام 1997، (أعلام ومبدعون) عام 2000، (حديث العبقريات)عام 2001.
ورحيل عبد الغني العطري كان مفاجئاً ودون مقدّمات. فقد كان يذهب إلى مكتبه سيراً على الأقدام على سبيل الرياضة، على فترتين صباحية ومسائية، وبعد إنتهاء الفترة المسائية يعرِّج إلى مكتب مجلة الثقافة، حيث يجتمع الأدباء في مكتب الأستاذ مدحة عكاش يتبادلون الأحاديث المنوعة، وفي مساء يوم الأحد 23 شباط عام 2003، وكان يوماً ماطراً، اتصل به ابنه، وطلب منه أن ينتظره ليُقله معه بالسيارة لمنزله تجنباً للأمطار. لكنه لم ينتظر ابنه فخرج من مكتبه سيراً على قدميه كالعادة، وبينما كان يقطع الطريق صدمته سيارة، فنُقل إلى المشفى، وفيها فارق الحياة، وغادرنا جسداً، اما ذكره فسيبقى في ذاكرة الأدب والثقافة من خلال مؤلفاته وكتاباته الصحفية القيّمة.
   

العدد 1138 –  28-3-2023

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها