فؤاد مسعد
الدور المُتأخر، هو التوصيف الأقرب لحال شخصية نزير «أبو تيسير» التي أداها باقتدار الفنان الراحل شادي زيدان في مسلسل «زقاق الجن» إخراج تامر اسحاق وتأليف محمد العاص، والتي كشفت عن الكثير مما كان يختزن من إحساس دافئ يصل من خلاله إلى المشاهدين بسلاسة ليتفاعلوا معه، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات عن فنان أصيل ومبدع بحجم نجم لم يأخذ حقه أمام الكاميرا.
مع كل مشهد يظهر فيه نتلمس قدرة مبدع استطاع عبر أدائه صياغة شخصية نبعت من عمق الروح، خط علاماتها بكل ما تعج به من صراعات وما تحمله داخلها من بساطة، تعاطى معها بحرفية عالية من خلال فهمه لها وآلية قراءته لأدق تفاصيلها والتقاط ما بين السطور وإظهار سماتها المختلفة من طيبة وشهامة، لتجسيدها بالإطار الأكثر إقناعاً ومصداقية، لا بل استطاع من خلالها تأكيد فكرة أن الشخصية الخيّرة يمكن أن تُقدم «دراما»، وتعيش صراعات تشد المتلقي إليها، وأن الأمر ليس مرهوناً فقط بالشخصيات الشريرة.
«أبو تيسير» صاحب القلب الطيب، الضائع بين سعيه إلى نيل رضا والده الظالم القاسي وبين وقوفه إلى جانب زوجته وتربية أولاده كما يريد ، هو صراع ما لبث أن تفاقم وتعاظم مع مرضه وهروب ابنته ما أثقل على كاهله، وكثيرة هي المشاهد التي بدا فيها هذا الصراع واضحاً عبر أداء «جواني» تداعت فيه نظرة العين المنكسرة وعلائم الوجه مع إيقاع حركة الجسد كاملاً ونبرة الصوت وتلونه، وكثيرة أيضاً هي العبارات التي دلت على لب الصراع، ومنها ما جاء في الحلقة السادسة «أنا مع أبي كسبان مو مغلوب ولو مسح فيني الأرض»، وفي مونولوج داخلي خلال الحلقة 14 وهو على فراش المرض «ماني قدران اطلع من تحت عباية أبي».. كلها دلالات تفسر ما نراه من حالة انهزام وصراع داخلي يتفاقم تدريجياً ليصل درجة الغليان، فنزير أشبه بمارد محبوس ضمن قمقم الطاعة العمياء لأب متسلط جبار، والسؤال هل ينفجر في الحلقات القادمة أم يبقى مُكبلاً بتربية لم تفرق بين وجوب طاعة الأب وبين قول كلمة الحق والوقوف في وجه القسوة والظلم ؟..