المواجهة الفكرية بأبعادها السياسية خلقت مايسمى الرأي الثقافي أو( البيان الثقافي) وممارسة النخبة الثقافية لدورها في سالف العصور والأزمان أحدثت فروقاً حياتية، وأنتجت مواقف شجاعة ضدّ الظلم وأشكال الاستبداد، وخلقت حالة من الثقة بين المثقفين والناس لأنها سارت بمقتضى قيم الحقّ والعدالة الاجتماعية والسياسية والإنسانية، ولم يكن المثقف ليتخلى عن دوره حتى لو دفع حياته وحريته ثمناً لذلك.
المتغيّرات الحاصلة اليوم في مجتمعاتنا والآثار الناجمة عن الإرهاب والمساحات الشاغرة لملء مكان المثقفين غابت معها العديد من القيم والمفاهيم التي تُبنى على أساسها الأوطان، ومعها تأخذ الشعوب حقوقها وسيادتها، فجوهر التأثيرات الثقافية وتياراته قيم نضالية ونقدية شجاعة.
المثقف يسير من دون قيد أو شرط غايته كهويته ثراء فكري يحدّد مسار المجتمعات، وهنا لاتقتصر الثقافة على الشاعر والروائي والمسرحي والتشكيلي فالمثقف هو الإنسان الملهم في كلّ المحافل والمنابر والمجدّد في كلّ المجالات والقطاعات، واضح الرؤية برسم خطواته وخطوات أبناء مجتمعه الذين ينتظرون إلى اليوم المثقفين والمفكرين الذين غابوا وجاء من يملأ ويسدّ فراغهم بفراغ أكبر يُضعف المجتمعات ويصيبها بالعلل والأوهام والتزييف.
المثقف الحقيقي هو من يأخذ دوره على أكمل وجه ويعلو صوته فوق كلّ الأصوات ويسهم إسهاماً تاماً في بناء النموذج المعافى للدول والمجتمعات والخيارات العقلانية لإنسانية تتسّع الجميع.