في خانة “الذكريات” المنبثقة يومياً من (فيسبوك)، تظهر مقولتان شاركتهما سابقاً، مأخوذتان من “أرجوحة النفس” للروائية هيرتا مولر.
لم تُكمل قراءة تلك الرواية..
نصيبها منها لم يكن سوى جزءٍ يسير، ثم ابتعدت عنها.. دون أي شعور بتأنيب ضمير رافقها فيما مضى حين كانت تضع لنفسها قانوناً بوجوب إنهاء أي كتاب تبدأ به حتى إن لم يعجبها.
منذ سنوات قليلة أقلعت عن تلك العادة القسرية..
أصبحت تجسّ مشاعرها تجاه الكتاب من صفحاته الأولى.. وتشعر براحة كبيرة حين ترفض بعض المؤلّفات التي لا تتناغم وذوقها أو تلبي حاجتها لشيءٍ تبحث عنه.
ببساطة تغلقه ولا تعود إليه إلا لحاجة اضطرارية.
عادتها الجديدة، نسبياً، بما يخص علاقتها بالكتب والقراءات.. كانت قديمة بالنسبة لأشياء أخرى وللأشخاص في حياتها..
تغلق أي سبيل للاحتكاك مع ما لا يروقها.. أو أي تواصل مع مَن لا يروقها..
عادة قديمة لازمتها.. وطبعت مزاجها.
ميزان علاقاتها وصداقاتها كان بعنوان عريض يتلخص بكلمتين (قبول أو نفور)..
ولا تجد حرجاً بإعلان نفورها، أبداً.
مع أنها كانت ممن يجتذب الصداقات بسهولة أيام الدراسة لاسيما خلال الجامعة..
وحتى في العمل، غالباً ما اعتبرها الآخرون من أكثر الحاضرات انسجاماً مع زميلات المكان..
مؤخراً.. تنبّهت إلى أنها دائماً ما تركت، ربما لاشعورياً، مسافة فاصلة بينها وبين الجميع من حولها..
تسوّر ذاتها.. بالكثير من “الحدود” المدروسة..
الآن.. تعي تلك السلوكيات والأفعال..
يبدو أنها كانت (تتأنق) على نحو خاص..
هل التأنق، بعيداً عن معناه الظاهري، فعل اقتضاب في كل شيء..؟
حين قرأتْ كيف عرّفه بعض الفلاسفة والكتّاب، مثل نيتشه الذي ذكر: فن (المحافظة على التفرد وسط الجموع )، بينما ذهب آخرون لجعله (الاستمتاع المطلق بالرفض)..
وبين أن تكون متفرّداً أو رافضاً، فرق كبير..
مع أن البعض يرى في رفضه سبيلاً لتفرّده.
أن تتأنّق يعني أن تمارس حضوراً بطريقة مميزة وبصيغة لا يدرك شيفرتها إلا أنت..
شيء كما الجينات تماماً..
بصمة خاصة بك وحدك..
أن تتأنّق يعني أن تكون مقتضباً لكن بعمق، كما البرق..
الحالة تتشابه وتعريفهم البلاغة بأنها “الإيجاز”.. وحضورك المتأنق، ضمنياً لا ظاهرياً، هو الإيجاز بعينه.