هي واحدة من أشهر وسائل التواصل الإنساني، استُخدمت منذ القِدم لنقل معنى الحياة، سخريتها وجدِّها.. أما القيم فالفكرة تحملها، وأما الأسلوب فهو ذلك السهل الممتنع، والممتع.. والتشويق الذي تنطوي عليه يجعلها ترسخ في الأذهان، وتعيش بين الأفراد، والمجتمعات.. إنها الحكاية.. أسطورة الزمن التي لا يخبو وهجها في النفوس، وهي تجذب إليها على مرّ الدهور وصولاً إلى عصرنا الحديث هذا.
ورغم التغيرات الكبيرة التي شهدتها المجتمعات كافة نتيجة الثورات العلمية، والتقنية فقد ظلت الحكاية ـ كما أثبتت الدراسات الحديثة ـ تحتفظ بقيمتها، وبمعناها الأصلي، وبأهميتها كمصدر للإلهام، وكوسيلة فعّالة للتواصل، والتعلم، والتأثير في الناس مهما بعدت في الزمن.
أجل إنها الحكاية.. تلك التي تطلق الخيال، وتحفز الإبداع، وتساعد على التفكير بشكل إيجابي لإيجاد حلول لمشكلات، وتحديات، وتوضيح لمفاهيم صعبة، ومعقدة بطريقة بسيطة، وسهلة على الفهم.
أما التراث الثقافي والمعرفي فقد ساعدت عصا الحكاية السحرية على توثيقه بنقله من جيل إلى آخر، فكانت سبباً في الحفاظ على هوية المجتمعات وتعزيزها بنقل العادات، والتقاليد، كما العقائد، والقيم، وفي تحقيق التواصل الثقافي فيما بين الشعوب.
قد تختلف الحكايات والشعبية منها على الأخص من ثقافة إلى أخرى حتى ولو كانت تتحدث عن قصة واحدة إلا أنها تشترك جميعاً في رواية قصة تحمل في طياتها عِبرةً، أو درساً، وهي إذ تنطوي على رسائل هي الدروس، وتجارب هي العِبر إنما تحث على التفكير، والتحليل بما يخدم أيضاً العلاقات الاجتماعية بين الناس.
مَنْ منا لا يذكر حكاية (علي بابا والأربعين حرامي)، أو (علاء الدين والفانوس السحري)، وغيرها الكثير من التراث الشعبي الخالد. أساليب سردية، ولغوية تستخدمها الحكاية الشعبية ليتميز بها شعب عن آخر، وبيئة عن غيرها من خلال الشخصيات الخيالية، والحيوانات التي تعيش في تلك البيئة التي تحكمها جغرافيا المكان.
أما الأطفال فهم الأكثر إصغاءً، ثم استفادة من الحكاية رغم أن انجذاب الكبار إليها يظلّ يرافقهم مهما كان الفاصل الزمني بينهم وبينها بعيداً، ولتصبح الحكايات الشعبية وسيلة فعّالة في التربية، كما في إطلاق التفكير الإبداعي لدى الصغار، وتعليمهم القيم الأخلاقية، والتقاليد، والعادات، كذلك فهي تشجعهم على القراءة لما يجدونه فيها من متعة، وتسلية، وإثارة، ودهشة تجعلهم يلهثون وراء أحداثها المشوقة إذ ترويها وهي تكشف لهم عن عوالم جديدة، وشخصيات حكائية ربما نادرة، وغريبة ليتعرفوا إليها، وأما عناصر السحر، والخيال فهي تنبض عبر سطور الكلمات مع كل عبارة، وعِبرة.
ونحن الكبار لا تمتعنا الحكاية الشعبية فقط بل إنها بالنسبة لنا وسيلة لتعزيز الانتماء في المجتمع الواحد لأنها تحكي قصصاً عن التراث، والتاريخ، والقيم المتأصلة فينا بما يعزز الوعي الثقافي لدينا كأفراد، وكجماعات، وما تداولها بين الناس شفاهاً، أو كتابة سوى توثيقٍ لها، وحفظٍ للتراث من الضياع، والاندثار.
فهل سيتأخر أحدنا إذا ما قيل له ذات يوم: تعال لنحكي لك حكاية؟ بالطبع لا لأننا جميعاً نحب سماعها، وما أظن إلا أننا سنصغي لها بقلب طفل لأنها تعيش معنا منذ الحكاية الأولى، وشهقة الفرح، والدهشة الأولى.