الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
بينما زقزقة العصافير على شجرة «الاكي دنيا»، توحي بصباح مشرق في هذا المكان الذي تسطع أشعة الشمس قرب البحر، نفضت عنها تعب السفر وصعدت إلى السطح سرعان ما راودتها صورة تصدع البيوت حولها إثر الزلزال الذي ضرب المدينة مؤخراً، وهي المرة الأولى التي تزور مدينتها الساحلية بعد تلك الهزات.
كارمن رآها، يسألها هل كنت هنا أثناء الزلزال؟ وعندما تجيب بالنفي تبدأ حكايا الناجين بالانهمار، وكأنه كان ينقص هذه المدينة نكبات أخرى تضيف أوجاعاً لا تنسى، حين كانت تخرج إلى الشارع لأمر ما، كانت ترى أنهم تجاوزوا بسرعة غريبة تلك الهزات ولم يتبق سوى ذكريات تروى لكل من يقابلونه حديثاً، كما يحدث معها الآن..
الخياط الذي اعتادت على حياكة ثيابها لديه، قال لها بعد ثوان من رؤيتها: لو أنك كنت هنا، كانت الوجوه كلها صفراء..
صاحبة صالون الحلاقة في الحي، كل هذه المرايا تكسرت وجددتها ، وكل من يقول لك إنه لم يخف وشعر أن نهايته اقتربت فهو لا يقول الحقيقية، لقد كتب الله لنا عمرًا جديداً.
أما حديث الجارات المسنات فقد كان مختلفاً، إذ إن أصواتهن لاتزال ترجف حتى الآن، إحدى الجارات التي اعتادت النوم على الأرض بسبب أوجاع ظهرها قالت لها وهي تنظر إلى تشققات منزلها القديم، مازلت حتى الآن أشعر باهتزاز الأرض، حاولت تطمينها (الأرض استقرت) لكنها شعرت بارتفاع نبرة صوتها وبأنها تتصرف بطريقة كاريكاتورية مع كل من تحدث معها عن الكارثة، استغربت الأمر لكنها حين أدركت أن داخلها يتأرجح وأنها تحتاج إلى من يبث الطمأنينة لديها أدركت لماذا كل هذه المبالغة، حتى لا تبدو كلماتها متلعثمة، مرتبكة.
حين كانت تنام في غرفة المنزل الواسعة وتنظر إلى السقف المتآكل كانت تصاب باضطراب رهيب، تحتاج بعده إلى من يهدئ اضطرابها!
بعد مضي بضعة أيام نسيت الأمر تماماً وها هي تشرب قهوتها على السطح ذاته الذي أخافها في البداية، وهي تتأمل كل تلك الأشجار المزهرة أيقنت أن أحاسيس ربيع هذا الموسم مختلفة جداً…!
العدد 1144 – 16-5-2023