كان ذلك قبل أربع سنوات ونيف حين كانت الصّحف الورقيّة مستمرة في الصدور… أحمل عدداً من صحيفة الثورة، وأقدمه إلى العامل على وزن الخبز في الفرن.
حوله بعض الصبية الذين يعملون بشكل جزئي ينفذون ما يطلب منهم.
ينظر بعضهم إلى الصحيفة، وبعد أن يضعها البائع جانبه يلتقطها ويقرأ بعض العناوين.
همس أحدهم: هل يمكن أن أطلب منك كتاباً؟.
نعم ..تفضل ..أريد كتاباً لنزار قباني… طيب.. سوف أحضر لك كتاباً له حين أستطيع.
بعد فترة ليست طويلة أعددت مجموعة من الكتب قدمتها له ولزملائه.
كانت فرحتهم كبيرة لا تصدق… مرت الأيام، وانقطعت عن الذهاب إلى الفرن بعد (موضة المعتمدين).
أمس في الشارع العام استوقفني فتى يافع ابتسم وهو يسلّم…هل تذكرني؟
لا والله ..أنا من كان يعمل في الفرن، وأعطيتني كتاباً…نعم.. تذكرت.
بخجلٍ يقول: أبحث عن كتاب كذا وكذا قرأت الكتاب إلا الجزء الثالث منه..هل أجده لديك؟.
حقيقة لم أكن قدسمعت بالكتاب سابقاً فمضى يشرح لي بعضاً مما فيه.. وعدته أن أبحث له عنه.
صبي الفرن الذي ترك المدرسة يقرأ ويتابع وهو الآن فتى يافع..
يسأل عن الكتاب.. ولا أظنه وحده من الفتية من يفعل ذلك بل الكثيرون… شرط أن نعرف كيف نصل إليهم.. كيف نجعل القراءة عادة عندهم..
نحن المقصرون بحق أجيالنا.. لقد حولناهم إلى ألعاب الحواسيب والمحمولات من دون أن نبذل جهداً من أجل أن يخصصوا وقتاً ولو قليلاً للقراءة.