لا يمكن لعاقل أن يتجاهل الأجواء الإيجابية المشجعة تجاه سورية على المستويين العربي والإقليمي، ومن يعيب علينا التفاؤل بقادم الأيام، لا يسعنا إلاّ أن نسأله كيف يمكن أن يفهم هذا التسارع العربي في الاقتراب من دمشق واستعادة مقعدها في الجامعة العربية، وعودة الدفء لعلاقاتها مع معظم العواصم العربية في غضون أشهر قليلة؟
الحوار السوري – التركي الذي بدأ مطلع العام الجاري هو الآخر سبب يدعو للتفاؤل، بالرغم من انعدام الثقة بنيات النظام التركي الذي اتسم سلوكه على مدى سنوات بالمراوغة والمماطلة وعدم الإيفاء بالتعهدات التي قطعها في إطار سوتشي، وكذلك حالة العداء التي أوجدها التدخل العسكري التركي في الأراضي السورية ودعم الإرهابيين.
لذلك فإن التفاؤل الذي يشعر به السوريون نتيجة انقلاب الأجواء من حد القطيعة إلى التعاون والتواصل مع الدول العربية هو في مكانه، لكن هذه الأجواء الإيجابية تحتاج ترجمة على أرض الواقع بأفعال تسهم في استعادة سورية عافيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعدما تعرضت لأضرار وخسائر كبيرة جداً في الحرب الإرهابية التي واجهتها منذ عام 2011 وحتى اليوم.
ويمكن للتقارب السوري-السعودي الذي توج بمشاركة السيد الرئيس بشار الأسد في القمة العربية الـ32 التي استضافتها مدينة جدة السعودية، ولقائه مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أن يؤسس لاستعادة التعاون الثنائي بين البلدين المؤثرين إلى سابق عهده، وخصوصاً في ظل ما أدلى به وزير الخارجية الدكتور فيصل المقداد لقناة (أر تي) الروسية عن “حرارة اللقاء” بين الرئيس الأسد والأمير محمد بن سلمان وعن مستقبل العلاقات الثنائية “الواعد”.
يعلم الجميع أن التحول في السياسة السعودية خلال السنوات الأخيرة يكشف عن نهج سعودي جديد فيما يتعلق برؤية الرياض للعلاقات العربية-العربية من جهة، والعلاقات العربية- الإقليمية والدولية من جهة ثانية، وهذه الرؤية تتلاقى في جوانب منها مع الرؤية السورية بأن يتم البناء على المشتركات وتجاوز الاختلافات من أجل مد جسور التعاون بما يخدم المصالح الوطنية والقومية للدول العربية في ظل التحولات الدولية القائمة.
اليوم وبعد أن استقبلت دمشق الانفتاح العربي بروح الأخوة وتجاوز تصدعات الماضي، وبعد الخطوات السياسية والدبلوماسية المتبادلة بين دمشق والعواصم العربية، يتطلع السوريون إلى خطوات عمليّة من الأشقاء العرب على مستوى الاقتصاد كي يلمس المواطن السوري الذي أنهكته سنوات الحرب الطويلة، ثمار الخطوات الإيجابية العربية.
لكن التحولات في السياسة والاقتصاد تحتاج إلى زمن لنرى نتائجها على الأرض، ولاسيما في ظل الاعتراضات الأميركية الغربية على المسار العربي الجديد، فالعصا الأميركية ستظل مرفوعة في وجه العرب مع أي تحرك يتعارض مع السياسيات الأميركية.
غير أن السوريين يتوسمون خيراً في التحرك الأخير الذي أفضى إلى استعادة العلاقات السعودية السورية، واستعادة سورية مقعدها في الجامعة العربية بالرغم من اعتراض واشنطن المعلن، ومازالوا يعوّلون على إرادة عربية بدأت تتحرك من منطلق المصالح العربية أولاً مع أخذها التوازنات الدولية في الحسبان.
تستطيع سورية والسعودية بالتعاون مع الدول العربية الفاعلة الأخرى كمصر والجزائر والإمارات والعراق وعُمان أن تعيد تشكيل منظومة التعاون العربي بعيداً عن القلق من غضب واشنطن، فلم تعد الولايات المتحدة كما كانت سابقاً، قادرة على استخدام سطوتها كسيف مسلط في وجه العالم في ظل التحولات الدولية الكبرى وبزوغ القوة الصينية والروسية ومنافستها على الساحة الدولية.