فردوس دياب:
لفتت الأنظار مؤخراً حالة «تمزيق التلاميذ لكتبهم بعد نهاية العام الدراسي»، إذ باتت ظاهرة تحتاج إلى تشخيص دقيق وعلاج مناسب، سلوكُ غير حضاري بالتأكيد شهدناه عن قرب، ولا تحتاج الصورة لمتقصٍ لرصدها وتتبعها، طلاب وتلاميذ صغار مزقوا كتبهم الدراسية وأوراقهم الامتحانية قبل أسبوع على عتبات مدارسهم وفي الأزقة القريبة والطرقات، غير عابئين بما تحويه هذه الكتب وما تختزنه من علوم ومعارف، ناهيك عن جهود تأليفها وتكاليفها الباهظة.
هي ظاهرة مستهجنة حقاً وصورة منفرة لكل من يراها، وهي بصدق تعبر عن الجهل في أعلى مستوياته، فالعلم له مكانته التي من الواجب علينا تقديسها والاعتزاز بها بسبب تلك المجهودات التي بُذلت لكي تصلنا هذه الكتب في أحسن صورة لها، بهذه الكلمات استهلت الدكتورة منى كشيك رئيسة قسم أصول التربية في كلية التربية بجامعة دمشق حديثها مع «الثورة» التي التقتها لتحليل وتفسير هذا السلوك ومعرفة دوافعه وأسبابه، ولاسيما أنه بات ظاهرة مجتمعية جارحة ومحزنة لما يتركه من آثار نفسية سيئة على المجتمع بشكل عام، وعلى جميع التلاميذ والطلاب بشكل خاص.
تسلية ومرح
الدكتورة بدأت حديثها بالقول: إن هذه الظاهرة يعبر الطالب أو التلميذ من خلالها عن رفضه للمرحلة التي كانت تسبب له الضغط والتوتر، مع الأخذ بعين الاعتبار تداخل العديد من العوامل المجتمعية والنفسية والتعليمية التي أدت إلى هذا السلوك، واصفة إياه بالظاهرة السلبية، والتصرف غير الحضاري، الذي قد يكون دافعه صعوبة الاختبار وحب التسلية والمرح مع الزملاء واللامبالاة وعدم الوعي لقيمة الكتاب والعلم بشكل عام.
وأضافت في تشيخصها لهذا السلوك الذي لم يكن موجوداً بهذا الحجم وهذا الاتساع من قبل، بأنه قد يكون ناتجاً عن أن بعض الطلبة قد يشعرون عندما يمزقون كتبهم ببعض الراحة النفسية والفرحة الغامرة لأنهم يقلدون أقرانهم عندما كانوا يمزقون كتبهم والبسمة تملأ وجوههم ولا يشعر أحدهم بسوء فعلته، وهو ما أدى إلى تناقل هذه الظاهرة من جيل إلى جيل حتى أصبحت ثقافة رائجة في كل نهاية عام دراسي.داعية الجميع إلى ضرورة معالجة هذه الظاهرة وأن نتحلى بأسمى قيم الرقي في التعامل مع هذه الكتب، وأن نحملها على عاتقنا فهي أمانة أودعت عندنا، لذا كان لزاماً أن نذكر أبناءنا بقيمة هذه الكتب فهي سراجهم المنير لطريق العلى ونهجهم القويم.
أسبابه ودوافعه
وفيما يتعلق بالأسباب الحقيقية لهذا السلوك، أوضحت أن تمزيق الكتب المدرسية خلال نهاية كل عام دراسي أصبح ظاهرة سلبية ذات أبعاد اجتماعية سلوكية تؤثر بشكل كبير على المجتمع وأفراده، مضيفة أن أبرز أسباب هذه الظاهرة يمكن تلخيصها في الآتي:
أولاً: رغبة الطالب في التعبير عن حالته الشعورية التي يمر بها بنهاية الدراسة وقيودها وبداية رحلة الإجازة الصيفية الممتعة، وكأن الكتب هي الشيء الذي يقيد الطالب ويمنعه من التصرف بحرية خلال الفترة الماضية.
ثانياً: بسبب ضغط الأسرة على الطالب للمراجعة.
ثالثاً: تقصير المدرسة والأسرة، وكذلك غياب الدور التوعوي لوسائل الإعلام في توعية الطالب بأهمية الكتاب كونه ملكاً عاماً تستفيد منه أجيال قادمة وليس حكراً على الطالب نفسه.
رابعاً: سياسة وزارة التربية الخاطئة والمتعلقة بتغيير المناهج الدراسية بشكل دائم، وهو ما قلل من قيمة الكتاب لدى الطلبة، حيث إن الطالب أصبح يعلم أن الكتب سوف تتغير بشكل مستمر، بالإضافة إلى معرفته بمصير الكتب الدراسية المسترجعة والتي ترمى دون الاستفادة منها خلال الأعوام الفائتة.
ضعف التربية الأسرية
وأضافت كشيك أن تلك التصرفات السلوكية الفردية لبعض التلاميذ والتي تنم عن ضعف التربية الأسرية، والعلاقة السلبية بين المدرسة والطالب، كون المدرسة ليست بتلك البيئة الجاذبة للطالب، وهنا تتضح الفجوة الكبيرة بين الأسرة والمدرسة، ومن هنا نجد هذه النظرة السلبية للمدرسة من قبل الطالب، والتي يجسدها ويعبر عنها بمثل هذه التصرفات (تمزيق الكتب وتخريب الأثاث المدرسي والكتابة على جدران المدرسة وغيرها).
تعزيز قيم المحافظة على الكتاب
داعية الأسرة والمدرسة والمجتمع إلى تعزيز وغرس القيم والمبادئ التي تهم الطالب في المحافظة على كتبه، وتوجيه جميع الطلبة للاستفادة منها بإعادتها للمدرسة، وتوعيتهم بالمحافظة على المال العام انطلاقاً من أن الكتب الدراسية هي جزء من المال العام. وكذلك تذكيرهم بأن المحافظة على الكتب تعكس شخصية الطالب المثالي والمهتم وتعد تقديراً للعلم وتدل على ثقافة الطالب ووعيه، ونقدم لهم بهذا مسابقات وجوائز تشجيعية لكي يحافظ الطالب على نظافة كتبه، وتستفيد الأجيال من بعده أيضاً.