أكثر ما يتوعد أداء المؤسسات العامة، تضارب الرؤى والتفسيرات، و الضياع بين القانون وروح القانون، و الثغرات التي تترك مساحات واسعة لتدخل المزاجيات في تطبيق التشريعات وتعليماتها التنفيذية.
ففي مؤسساتنا الكثير والكثير من المسائل المعلقة بشكل مزمن، ولاتحتاج إلا إلى توافق على قرار، و بعضها يصلح لأن يكون فسحة للتندر والضحك، يستذكرها من خاضوا فيها وخرجوا إلى التقاعد، وتركوها لمن مازالوا على رأس عملهم، وهؤلاء أيضاً يستعرضونها وكأنهم يتحدثون عن مشاهدات غريبة في بلد آخر لا يخصّهم.
في هكذا مشهد تبدو الأجهزة الرقابية الأكثر ظهوراً لأنها الحارس المفترض على تطبيق القوانين، الجهاز المركزي للرقابة المالية يقدم نفسه كناصح ومؤازر للمؤسسات العامة عبر ما يسمونه الرقابة الوقائية، أي المقدمات، والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش تحاسب على النتائج وتتحرى عن المخالفات التي غالباً ما تردها عبر تقارير وشكاوى أو إحالات رسمية.
لكن كل هذه المنظومة الرقابية لم تفلح في حلحلة الكثير من المسائل الخلافية، بما أن ثمة نص قانوني يبرر الخلل، حتى لو كان هناك نص آخر يساعد على الحل، فدوماً يتم الاعتداد بالنص السلبي لأنه “فزاعة” مقيمة لكل من يحاول العمل بطريقة مرنة..
لكن التساؤل المهم هنا.. هو ماذا فعلت الأجهزة الرقابية لمساعدة المؤسسات على تجاوز النصوص القديمة الباقية ومنها مايعود إلى ٧٠ عاماً سبقت؟
هل يقف دور هذه الأجهزة عند صيانة ” حرمة” البلاغات التي صدرت منذ نصف قرن ونسيها الجميع إلا الذهنية الرقابية التي يتأبط أصحابها “دستة” بلاغات يشهرونها في وجه القائمين على العمل في المؤسسات عند اللزوم ؟!
في كل مؤسسة فريق مندب من الجهات الرقابية.. وهؤلاء هم الأكثر دراية بمعوقات عمل المؤسسات من بلاغات وقرارات وحتى نصوص قانونية منسية، وبالتالي يقع على عاتق هؤلاء مهمة تخليص المؤسسات من القرارات والتعاميم والبلاغات البائدة التي صدرت في حينها بمبررات موضوعية، لكنها بقيت ولو لم تعد المبررات موجودة.
هذا يعني أن على الأجهزة الرقابية اليوم تجميع هذه البلاغات وتصنيفها قطاعياً، ثم التنسيق بين الوزارات ورئاسة مجلس الوزراء من أجل إلغاء وتعديل كل بلاغ أو قرار لم يعد لبقائه مبرراً، و بقي معيقاً للعمل بشكل يمكن وصفه ب “التعسفي”.
قد يحتاج البدء إلى قرار من رئاسة مجلس الوزراء.. و بعدها يمكن عقد ورشات عمل واجتماعات قطاعية ل “تنقية” بيئة العمل العام من كل العوالق الماثلة بهيئة بلاغات وتعاميم لم يعد لبقائها مبرر.
نهى علي