الملحق الثقافي- عبد الحميد غانم:
أعتقد مثل هكذا سؤال لا يجب أن يطرح وفق هذه الصيغة، لأن الفكر والثقافة لايهمنان، بل ينتشران ويسودا وكما لا يوجد مصطلح صراع الحضارات، الذي يستخدم كخطأ شائع، كذلك الأمر بالنسبة للفكر والثقافة.
فالهيمنة والسيطرة للقوة الضاربة الغازية أو المحتلة أو المعدنية.
طبعاً هيمنة مؤقتة، طال الزمن أم قصر، فكلّ الغزوات الأجنبية التي تعرضت لها منطقتنا العربية طوال تاريخها، انتهت واندحرت ، لأن الهيمنة الأحادية سواء أكانت سياسية أم عسكرية أم اقتصادية، أو في أي مجال، دون الفكر والثقافة.
لأن مجال الفكر والثقافة مجال رحب للتفاعل والتحضر.
شهد عالمنا عبر التاريخ نظريات وأفكار ساهمت في تطوير الدول والشعوب، واستطاعت أن ترتقي بها نحو عالم أفضل.
وقد أسهمت النظريات والأفكار الأوروبية والأميركية مثلها مثل باقي النظريات في العالم في تطوير أحوال البشر وإعطاء القيم الإنسانية مدلولات ومعان هامة ارتقت بالفكر الإنساني.
لكن الغرب بممارساته العدوانية على حقوق الشعوب وسيادة الدول، أفرغ الكثير من الأفكار والنظريات السياسية حول الديمقراطيات والحريات والعدالة الاجتماعية من محتواها الإنساني، وحولها إلى أدوات لعدوانه في استهداف الدول المقاومة لمخططاته ومشروعات هيمنته.
لقد فقد الغرب اليوم لغة العقل منذ أن تحول إلى سياسات الاستعمار والاحتلال منذ عشرينات القرن الماضي وإلى الآن، حيث لا تزال نزعة الاحتلال والاستعمار مستمرة في توجهاته وتعاطيه مع قضايا منطقتنا والعالم، وتصنيف من يعارض مشروعه العدواني الاستكباري والاستعماري، وبرأيه يجب أن ينال عقاباً من اختياره.
لقد سعى الغرب في هيمنته السياسية والعسكرية والاقتصادية إلى هيمنة ثقافية من خلال تسويق نموذجه في ثقافات العالم، واستغلال هيمنة إعلامه لإحكام الهيمنة والسيطرة على الفكر والشخصية والهوية والثقافة والانتماء إلى الوطن والأمة.
إن معظم سياسات الغرب التي تحدث اليوم تهدد بفناء البشرية جمعاء، فأين الخير فيها؟.
تلك السياسات أصبحت تعاني مرض الأنا، وصارت مهووسة بسياسة القتل وارتداء ثوب الرداءة والكراهية والظلم والاستبداد، إذ تسعى الليبرالية الحديثة التي أنتجتها سياسات الغرب إلى أن يكون الإنسان مثل الكائن الذي يجرّد من كلّ شيء سوى غرائزه، ويحوله إلى حالة روبوتية، يسعد بفردانية مريضة، وهو ما تعكسه السياسات الغربية وغايات الحروب التي تشعلها وتريد من شعوبها تأييدها والسير خلفها دون أن تفسح المجال للعقل والحكمة والحلول الرشيدة.
تثبت حقائق التاريخ أنَّ من أسباب سقوط الإمبراطوريات العظيمة، هو الظُّلم والتعالي على الآخرين، وأنَّ الإمبراطوريات تدمِّر نفسها بنفسها في الغالب، وأنَّ سرعة التدمير تعتمد على الآلية التي تستخدمها كلُّ إمبراطورية في الهيمنة، وأنَّ الآلية الأميركية المعاصرة للهيمنة لم تختلف عن سابقاتها، حيث تستخدام الدولار الأميركي في الهيمنة الاقتصادية والسِّياسية، وبعدها الهيمنة العسكرية على العالم.
وهو ما يتهدد استمرارها خصوصاً نتيجة مخططها لتوسيع الناتو شرقاً.
فلم ينتبه الأميركيون إلى تحذيرات الرئيس أيزنهاور في خطاب الوداع سنة 1961م من الصُّعود الكارثي للقوَّة في غير محلِّها في أيدي «المجمع الصِّناعي العسكري، وهو المجمَّع الذي يؤدّي دوراً رئيسيّاً في توجيه السِّياسات الخارجية لأميركا نحو إشعال الحروب وإطالة أمد الصِّراعات.
لقد مثَّلت هجمات 11 ايلول 2001م، والحروب العالمية التي ادَّعتها أميركا على الإرهاب، والنتائج المخزية بعد 20 سنة من غزوها لأفغانستان والعراق، الدعوة للاستيقاظ من وَهْم الهيمنة أحادية القطب، وقد بلغت ذروة ملامح ذلك الوَهْم بالانسحاب الأحادي الفوضوي والمهين من أفغانستان عام 2021م، وبعد ذلك إشعال الحرب في أوكرانيا، وهو ما أدخل العالم في فترةٍ من التحوُّلات، التي ستحدِّد الواقع الجيو سياسي في المستقبل، عبر التغيُّرات الهائلة في الجغرافيا السِّياسية، وهياكل النظام العالمي القادم.
لقد هزَّت المصداقية الدولية لأميركا والغرب عموماً، مما فتح آفاق التعاون الدولي بين الصِّين والهند وروسيا وسورية وإيران وآسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية خارج الهيمنة الغربية، وبدأ القطبُ الأميركي الأحادي ودكتاتورية النظام الغربي يفقد سيطرته على العالم.
العدد 1149 – 27-6-2023