الثورة _ ديب علي حسن:
من علائم النهضة الادبية والفكرية في أي مشهد ثقافي وفكري وإبداعي ازدهار النقد بمعناه الواسع , اي ما يأخذه على العمل الفني والإبداعي وما يسجله له من محاسن, وهنا نتذكر سوق عكاظ الذي كان علامة فارقة في مواسم العرب الإبداعية , ولا نذهب بعيداً حين نتحدث عن نهضة النقد في مطلع القرن العشرين وصولاً إلى مطلع سبيعينيات القرن الماضي , إذ ازدهرت المدارس النقدية الأدبية والفكرية والإبداعية , وغدت المعارك النقدية تملأ صفحات المجلات والدوريات , وربما أيضاً علينا ان نشير إلى معارك مارون عبود ونزار قباني حول الشعر الحديث , وقول نزار قباني نهاية المعركة مخاطباً مارون عبود: سنقول إننا كتبنا شعراً في عصر مارون عبود.
يريد أن يصل إلى القول إننا نحن من يجب أن يوجه التقدير لبوصلة النقد التي قومت وصوبت عملنا , وفي سورية كانت المعارك الفكرية بوصلة للمشهد الثقافي من أبطالها عادل ابو شنب , وعبد السلام العجيلي, ومدحت عكاش ومبدعون آخرون.
السؤال المهم الآن: هل اختفى النقد الإبداعي وحل مكانه لون آخر من ألوان التزييف في الفكر والثقافة .
في العالم كله ترسخ تيار النقد وغدا علماً له أصوله العلمية, ولكنه أيضاً تحول من النقد الأدبي والإبداعي إلى نقد فكري, وسمي النقد الثقافي, ولم يعد الأدب والإبداع مجاله الكبير, بل فلسفة الفكر الإبداعي ,تشعبت الموضوعات, وغدا صلب الاهتمام بأدق الجزئيات في المشهد الروائي مثلا أو القصة , أو القصيدة , والتشكيل والموسيقا والدراما ,
أهمية النقد
وفي الدراسات المهمة التي تناولت تطور النقد العربي ثمة من يقف عند الناقد ميخائيل نعيمة الذي يرى (أنه إذا كان الأدب عند نعيمة تعبيراً عن الذات وعن الجماعة، وإصلاحاً للملكات الفكرية، وبناء للأفراد والأمم، فالنقد في نظره كذلك لا يقل أهمية على الأدب، لكونه يقف إلى جنب الإبداع، فيبرز أخطاءه، ويجنبه ثغراته بعد ترميمها، ويكشف الصالح من الطالح أن مهنة الناقد الغربلة لكنها لسيت غربلة الناس بل غربلة ما يدونه قسم من الناس من أفكار وشعور وميول وما يدونه الناس..ما تعودنا أن ندعوه أدباء لكن كيف تتحقق الغربلة؟ وهل لها شروطها الخاصة أم لا؟ بالتأكيد للنقد أدواته الإجرائية كما يحددها مغربل الغربال من بينها الاحتكام إلى الموضوعية والتسلح بالمعارف الأدبية واللغوية، والابتعاد عن الذاتية لأنها تجر إلى العمى وتورث البلى كما تحجب رؤية الشمس وهي صافية والابتعاد عن الأحكام الانطباعية، لأن ذلك ولى لزمن تم تدارك أخطائه حتى إذا ما تحقق هذا كله، كان لزاماً على الأديب والناقد ضرورة التمييز بين شخصيته الكائنة بلحمها ودمها، وبين شخصيته الفكرية، لأنه متى انعدم ذلك غابت رؤيا البصيرة الأدبية: الإبداعية منها والنقدية وهي حقيقة نجدها عند ميخائيل في قوله: «إن شخصية الكاتب أو الشاعر هي قدسه الأقدس فله أن يأكل ويشرب ويلبس ما شاء ومتى شاء وحيث شاء له أن يعيش ملاكاً وله أن يعيش شيطاناً فهو أولى بنفسه من سواه غير أنه ساعة يأخذ القلم ويكتب أو يعلو المنبر ويخطب وساعة يودع ما كتبه وما فاه به كتاباً أو صحيفة ليقرأه كل من شاء، ساعتئذ يكون كمن سلخ جانباً من شخصيته وعرضه على الناس قائلاً: هو ذا يا ناس، فكر تفحصوه. ففيه لكم نور وهداية وهاكم عاطفة احتضنوها فهي جملية وثمينة.
المشهد الإبداعي اليوم ليس بخير , لأن النقد الحقيقي جعل العملة الرديئة تحل مكان الجيدة , وهذا يتطلب أن يعود النقد الأدبي إلى زهوه ومكانته وليمارسه من يمتلك أدواته.