الملحق الثقافي- وفاء يونس:
كانت ولادتها عام 1888 وتحديداً في الرابع عشر من أيار كانت ولادة ماري عجمي ومرت الذكرى دون أن يتذكرها أحد، وخمسة وأربعون عاماً على الرحيل منذ 1965 وما بين المناسبتين جدير أن نحتفي بماري عجمي وأن نستعيد ذكراها.
واليوم نقف عند ذكرى الولادة متخذين من مجموعتها مختارات من الشعر والنثر منطلقاً، وقد صدرت هذه المختارات عام 1944 عن الرابطة الثقافية النسائية بدمشق وقد كتب مقدمة لها خليل مردم بك.
مما قاله مردم بك في تقديمه: هي أول فتاة في دمشق رفعت راية الأدب وجارت الرجل في ميدانه، فأصدرت مجلة العروس وقامت على تحريرها سنوات طويلة وكتبت في غيرها من الصحف واشتركت في الجمعيات الأدبية وكانت من أقوى أركانها، ودرست الأدب العربي في الشام والعراق.
جمعت بين الصناعتين النثر والنظم، فلها المقالات والخطب والقصائد وعالجت الترجمة كما عالجت الإنشاء.
قلت إن الآنسة ليست بحاجة إلى التعريف وكذلك أدبها ولكن لي فيها وفي هذه المختارات من أدبها كلمة موجزة أريد أن أقولها: لا أحب من غواية المرأة إلا غوايتها في الأدب وأكثر ما يعجبني من أدب المرأة سحر الحياء وهذان المعنيان ماثلان في الآنسة وفي هذه المختارات من أدبها.
محطات في حياتها
وفي تقديم مختارات ماري عجمي ثمة نبذة عن حياتها ونشاطها آثرنا أن نستعين بها لأنها كتبت أثناء حياتها ولذا فهي تتمتع بمصداقية كبيرة.
ولدت ماري عجمي في دمشق في 14 أيار سنة 1888 من أسرة حموية الأصل نزح جدها إلى دمشق منذ مئتي عام وقد تعلمت في المدرستين الروسية والإيرلندية ونالت شهادتها من الثانوية في تموز عام 1903.
وبعد أن مارست التعليم عاماً واحداً التحقت بمدرسة التمريض في الكلية الأميركية إلا أنها لم تكمل الدراسة بها لمرض ثم تنقلت بين سورية ومصر، حيث اشتركت في التعليم والصحافة والخطابة في جرائد البلدين ومحافلهما.
وفي عام 1910 أنشأت ماري عجمي مجلتها الذائعة الصيت «العروس» وقد استمرت في إصدارها حتى عام 1914 ثم توقفت عن الصدور إلى أن استأنفته بعد انتهاء الحرب العالمية عام 1918 ولما توقفت هذه المجلة نهائياً عن الصدور عام 1935 كانت قد ملأت بشهرتها وفائدتها الأوساط الأدبية في البلاد العربية بفضل نشاط صاحبتها ومثابرتها واستغراق أوقاتها فيها بحيث إنها تكاد أن تتولى كتابتها كلها إنشاء وترجمة، هذا عدا مساهمتها في سائر الصحف والمجلات العربية في الوطن والمهجر.
وقد كان للمترجمة في الأيام التي شكل فيها النشاط الأدبي في أعوام الحرب العالمية الأولى نشاطاً سياسياً وإنسانياً، إذ جاهدت في نصرة المحكومين السياسيين زائرة السجون مواسية المنفيين مستشفعة الطاغية جمال حتى كادت تجازى على معروفها شراً هذا عدا جهدها في النادي النسائي التركي العربي وإنشائها المدارس وإعطائها الدروس الخاصة لتلميذات عديدات.
عرفت نفسها
ومما كتبته في مقدمة المجموعة أدبية الشام وداد سكاكيني قولها: لقد عرفت ماري نفسها فصانتها عن الهوان وضنت بها على التكلف والرياء واتخذت لذاتها وحياتها أسلوباً في الكتابة والحديث شاع في آثارها وكلامها وهو أسلوب التهكم الذي كانت تصيب بلمحاته الخاطفة مالا يصيب غيرها بالنقد والتعبير والحديث المكرور، فإذا استمعت ماري لرأي عالجته ببديهتها وطبعته بالنكتة التي هي طوع خاطرها وشعورها.
ولعل أبرز ما عرفت به أديبتنا الجليلة هو صراحتها التي لا تصطنع فيها مداراة ولا مداورة وقد جافاها من جرائها كثير ممن كانت وفية لهم في الحل والترحال ولئن تجنى عليها من تجنى فإنها لم تعدم من أهل الأدب والوفاء من يقدرها قدرها ويذكر فضلها.
ولابد من الإشارة إلى أن عجمي كانت المرأة الوحيدة في جمعية الرابطة الأدبية التي أسست في دمشق في العشرينيات من القرن الماضي وكانت في لجنة النقد الأدبي فيها بعد ذلك أسست أول رابطة ثقافية نسائية أغلقت أكثر من مرة أيام الاحتلال العثماني والفرنسي وكان من أعضائها خليل مردم بك، محمد الشريقي، أحمد شاكر الكرمي، شفيق جبري، سليم الجندي.
أمين نخلة: اعطني إياها
ومما يروى أنها حين سمعت نبأ وفاة أمير الشعراء أحمد شوقي كتبت فيه قصيدة أنشدتها أمام الشاعر اللبناني أمين نخلة كان مطلعها: «هزوا الغصون لعله نائم» فقال لها: اعطني إياها وخذي من شعري ماشئت وعند رثائه لها في حفل تأبينها قال: ما لهم لا يهزون الغصون لعلها نائمة مالهم لا يرون في يومها ما رأته في يوم شوقي.
من دوحة أدبها
المجموعة التي بين أيدينا غنية بالنثر والشعر وكلاهما يغري بالاختيار لكننا نقف عند رثائها لأمير الشعراء ونقتطف قولها:هزوا الغصون لعله نائم
سكران في عش الهوى حالم
فالخلد فوق رياضه حائم
الروض خلو والفضاء قفر
لا شدو شاد هاجه العطر
والمجموعة قسمان كما أسلفنا قسم للنثر وقسم للشعر وهي حرية بأن تعاد طباعتها لما فيها من فائدة ولعلنا نختم بشهادة فارس الخوري بهذه الأديبة حين قال:
يا أهيل العبقرية.. سجلوا هذي الشهادة
إن ماري العجمية.. هي مي وزيادة
بقي أن نشير إلى أنها توفيت عام 1965 ولم يكن في جنازتها إلا نفر قليل من الكتاب والأدباء على رأسهم المرحوم فؤاد الشايب.
العدد 1150 – 4-7-2023